تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 2 من سورة الناس
مَلِكِ النَّاسِ (2) و { ملك الناس } عطف بيان من { رب الناس } وكذلك { إله الناس } فتكرير لفظ { الناس } دون اكتفاء بضميره لأن عطف البيان يقتضي الإِظهار ليكون الاسم المبيِّن ( بكسر الياء ) مستقلاً بنفسه لأن عطف البيان بمنزلة علَم للاسم المبيَّن ( بالفتح ) .
و { الناس } : اسم جمع للبشر جميعهم أو طائفة منهم ولا يطلق على غيرهم على التحقيق .
و { الوسواس } : المتكلم بالوسوسة ، وهي الكلام الخفيّ ، قال رُؤبة يصف صائداً في قُتْرتِه
: ... وَسْوَسَ يَدْعُو مُخلصاً ربَّ الفَلَقْ
فالوسواس اسم فاعل ويطلق الوسواس بفتح الواو مجازاً على ما يخطر بنفس المرء من الخواطر التي يتوهمها مثل كلام يكلم به نفسه قال عُروة بن أذينة
: ... وإذا وجَدْت لها وسَاوِسَ سَلوَةٍ
شفَع الفؤادُ إلى الضمير فسَلَّها ... والتعريف في { الوسواس } تعريف الجنس وإطلاق { الوسواس } على معنييه المجازي والحقيقي يشمل الشياطين التي تلقي في أنفُس الناس الخواطر الشريرة ، قال تعالى : { فوسوس إليه الشيطان } [ طه : 120 ] ، ويشمل الوسواسُ كل من يتكلم كلاماً خفياً من الناس وهم أصحاب المكائد والمؤامرات المقصود منها إلحاق الأذى من اغتيال نفوس أو سرقة أموال أو إغراءٍ بالضلال والإِعراض عن الهدى ، لأن شأن مذاكرة هؤلاء بعضهم مع بعض أن تكون سِراً لئلا يطلع عليها من يريدون الإِيقاعَ به ، وهم الذين يتربصون برسول الله صلى الله عليه وسلم الدوائر ويغرون الناس بأذِيَّتِهِ .