تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 1 من سورة الناس
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) شابهت فاتحتها فاتحة سورة الفلق إلا أن سورة الفلق تعوُّذ من شرور المخلوقات من حيوان وناس ، وسورة الناس تعوّذ من شرور مخلوقات خفيّة وهي الشياطين .
والقول في الأمر بالقول ، وفي المقول ، وفي أن الخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم والمقصود شموله أمته ، كالقول في نظيره من سورة الفلق سواء .
وعُرِّف { رب } بإضافته إلى { الناس } دون غيرهم من المربوبين لأن الاستعاذة من شر يلقيه الشيطان في قلوب الناس فيَضِلُّون ويُضلون ، فالشر المستعاذ منه مصبه إلى الناس ، فناسب أن يُستحضر المستعاذُ إليه بعنوان أنه رب من يُلْقون الشر ومن يُلْقَى إليهم ليصرف هؤلاء ويدفع عن الآخرين كما يقال لمَولى العبد : يا مولَى فلان كُف عني عبدك .
وقد رتبت أوصاف الله بالنسبة إلى الناس ترتيباً مدرَّجاً فإن الله خالقهم ، ثم هم غير خارجين عن حكمه إذا شاء أن يتصرف في شؤونهم ، ثم زيد بياناً بوصف إلهيته لهم ليتبين أن ربوبيته لهم وحاكميته فيهم ليست كربوبية بعضهم بعضاً وحاكمية بعضهم في بعض .
وفي هذا الترتيب إشعار أيضاً بمراتب النظر في معرفة الله تعالى فإن الناظر يعلم بادىء ذي بدء بأن له رباً يسبب ما يشعُر به من وجود نفسه ، ونعمة تركيبه ، ثم يتغلغل في النظر فيَشعر بأن ربه هو المَلِكُ الحقُّ الغني عن الخلق ، ثم يعلم أنه المستحق للعبادة فهو إله الناس كلهم .