تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 2 من سورة الفيل
أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) هذه الجمل بيان لما في جملة { ألم تر كيف فعل ربك } [ الفيل : 1 ] من الإِجمال . وسمى حربهم كيداً لأنه عمل ظاهره الغضب من فعل الكناني الذي قعد في القليس . وإنما هو تعلة تعللوا بها لإِيجاد سبب لحرب أهل مكة وهدم الكعبة لينصرف العرب إلى حجّ القليس في صنعاء فيتنصّروا .
أو أريد بكيدهم بناؤهم القليس مظهرين أنهم بنوا كنيسة وهم يريدون أن يبطلوا الحج إلى الكعبة ويصرفوا العرب إلى صنعاء .
والكَيد : الاحتيال على إلحاق ضر بالغير ومعالجة إيقاعه .
والتضليل : جعل الغير ضالاً ، أي لا يهتدي لمراده وهو هنا مجاز في الإِبطال وعدم نوال المقصود لأن ضلال الطريق عدم وصول السائر .
وظرفية الكيد في التضليل مجازية ، استعير حرف الظرفية لمعنى المصاحبة الشديدة ، أي أبطل كيدهم بتضليل ، أي مصاحباً للتضليل لا يفارقه ، والمعنى : أنه أبطله إبطالاً شديداً إذ لم ينتفعوا بقوتهم مع ضعف أهل مكة وقلة عددهم . وهذا كقوله تعالى : { وما كيد فرعون إلا في تباب } [ غافر : 37 ] أي ضياع وتلف ، وقد شمل تضليلُ كيدهم جميعَ ما حلّ بهم من أسباب الخيبة وسوء المنقلب .