تفسير القرطبي
تفسير الآية رقم 39 من سورة الكهف
قوله تعالى : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله أي بالقلب ، وهو توبيخ ووصية من المؤمن للكافر ورد عليه ، إذ قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما في موضع رفع ، تقديره : هذه الجنة هي ما شاء الله . وقال الزجاج والفراء : الأمر ما شاء الله ، أو هو ما شاء الله ; أي الأمر مشيئة الله - تعالى - . وقيل : الجواب مضمر ، أي ما شاء الله كان ، وما لا يشاء لا يكون .
لا قوة إلا بالله أي ما اجتمع لك من المال فهو بقدرة الله - تعالى - وقوته لا بقدرتك وقوتك ، ولو شاء لنزع البركة منه فلم يجتمع .
الثانية : قال أشهب قال مالك : ينبغي لكل من دخل منزله أن يقول هذا . وقال ابن وهب قال لي حفص بن ميسرة : رأيت على باب وهب بن منبه مكتوبا ما شاء الله لا قوة إلا بالله . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأبي هريرة : ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة - أو قال كنز من كنوز الجنة قلت : بلى يا رسول الله ، قال لا حول ولا قوة إلا بالله إذا قالها العبد قال الله - عز وجل - أسلم عبدي واستسلم أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى . وفيه : فقال يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة - في رواية على كنز من كنوز الجنة - قلت : ما هي يا رسول الله ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . وعنه قال : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ألا أدلك على كلمة من كنوز الجنة أو قال كنز من كنوز الجنة قلت : بلى ; فقال لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . وروي أنه من دخل منزله أو خرج منه فقال : باسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله تنافرت عنه الشياطين من بين يديه وأنزل الله - تعالى - عليه البركات . وقالت عائشة : إذا خرج الرجل من منزله فقال باسم الله قال الملك هديت ، وإذا قال ما شاء الله قال الملك كفيت ، وإذا قال لا قوة إلا بالله قال الملك وقيت . خرجه الترمذي من حديث أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قال - يعني إذا خرج من بيته - باسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله يقال كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . خرجه أبو داود أيضا وزاد فيه - فقال له : هديت وكفيت ووقيت . وأخرجه ابن ماجه من حديث أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خرج الرجل من باب بيته أو باب داره كان معه ملكان موكلان به فإذا قال باسم الله قالا هديت وإذا قال لا حول ولا قوة إلا بالله قالا وقيت وإذا قال توكلت على الله قالا كفيت قال فيلقاه قريناه فيقولان ماذا تريدان من رجل قد هدي ووقي وكفي . وقال الحاكم أبو عبد الله في علوم الحديث : سئل محمد بن إسحاق بن خزيمة عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : تحاجت الجنة والنار فقالت هذه - يعني الجنة - يدخلني الضعفاء من الضعيف ؟ قال : الذي يبرئ نفسه من الحول والقوة يعني في اليوم عشرين مرة أو خمسين مرة . وقال أنس بن مالك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : من رأى شيئا فأعجبه فقال ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره عين . وقد قال قوم : ما من أحد قال ما شاء الله كان فأصابه شيء إلا رضي به . وروي أن من قال أربعا أمن من أربع : من قال هذه أمن من العين ، ومن قال حسبنا الله ونعم الوكيل أمن من كيد الشيطان ، ومن قال وأفوض أمري إلى الله أمن مكر الناس ، ومن قال لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين أمن من الغم .
قوله تعالى : إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا إن شرط ترن مجزوم به ، والجواب فعسى ربي وأنا فاصلة لا موضع لها من الإعراب . ويجوز أن تكون في موضع نصب توكيدا للنون والياء . وقرأ عيسى بن عمر إن ترن أنا أقل منك بالرفع ; يجعل أنا مبتدأ " وأقل " خبره ، والجملة في موضع المفعول الثاني ، والمفعول الأول النون والياء ; إلا أن الياء حذفت لأن الكسرة تدل عليها ، وإثباتها جيد بالغ وهو الأصل لأنها الاسم على الحقيقة .