تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 47 من سورة البقرة
يذكرهم تعالى سالف نعمه على آبائهم وأسلافهم ، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم ، كما قال تعالى : ( ولقد اخترناهم على علم على العالمين ) [ الدخان : 32 ] ، وقال تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( وأني فضلتكم على العالمين ) قال : بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان ؛ فإن لكل زمان عالما .
وروي عن مجاهد ، والربيع بن أنس ، وقتادة ، وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك ، ويجب الحمل على هذا ؛ لأن هذه الأمة أفضل منهم ؛ لقوله تعالى خطابا لهذه الأمة : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم ) [ آل عمران : 110 ] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم توفون سبعين أمة ، أنتم خيرها وأكرمها على الله . والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
[ وقيل : المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس ، ولا يلزم تفضيلهم مطلقا ، حكاه فخر الدين الرازي وفيه نظر . وقيل : إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم ، حكاه القرطبي في تفسيره ، وفيه نظر ؛ لأن ( العالمين ) عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء ، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم ، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين ] .