تفسير ابن كثير
تفسير الآية رقم 46 من سورة البقرة
وقوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون ) هذا من تمام الكلام الذي قبله ، أي : وإن الصلاة أو الوصاة لثقيلة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ، أي : [ يعلمون أنهم ] محشورون إليه يوم القيامة ، معروضون عليه ، وأنهم إليه راجعون ، أي : أمورهم راجعة إلى مشيئته ، يحكم فيها ما يشاء بعدله ، فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطاعات وترك المنكرات .
فأما قوله : ( يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال ابن جرير ، رحمه الله : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، والشك ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده ، كما قال دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني بذلك : تيقنوا بألفي مدجج يأتيكم ، وقال عميرة بن طارق :
بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم وأجعل مني الظن غيبا مرجما
يعني : وأجعل مني اليقين غيبا مرجما ، قال : والشواهد من أشعار العرب وكلامها على أن الظن في معنى اليقين أكثر من أن تحصر ، وفيما ذكرنا لمن وفق لفهمه كفاية ، ومنه قول الله تعالى : ( ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ) [ الكهف : 53 ] .
ثم قال ابن جرير : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن يقين ، أي : ظننت وظنوا .
وحدثني المثنى ، حدثنا إسحاق ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : كل ظن في القرآن فهو علم . وهذا سند صحيح .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) قال : الظن هاهنا يقين .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن مجاهد ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة نحو قول أبي العالية .
وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج : ( الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم ) علموا أنهم ملاقو ربهم ، كقوله : ( إني ظننت أني ملاق حسابيه ) [ الحاقة : 20 ] يقول : علمت .
وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
قلت : وفي الصحيح : أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : ألم أزوجك ، ألم أكرمك ، ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى . فيقول الله تعالى : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله : اليوم أنساك كما نسيتني . وسيأتي مبسوطا عند قوله : ( نسوا الله فنسيهم ) [ التوبة : 67 ] إن شاء الله ، والله تعالى أعلم .