الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 1 من سورة البلد
تفسير سورة البلد
مقدمة وتمهيد
1- سورة «البلد» وتسمى سورة «لا أقسم» من السور المكية الخالصة، وعلى ذلك سار المحققون من المفسرين.
قال القرطبي: سورة «البلد» مكية باتفاق. .
وقال الآلوسى: مكية في قول الجمهور بتمامها، وقيل: مدنية بتمامها. وقيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها. واعترض كلا القولين بأنه يأباهما قوله بِهذَا الْبَلَدِ- إذ المقصود بهذا البلد مكة-، ولقوة الاعتراض ادعى الزمخشري الإجماع على مكيتها.. .
والذي تطمئن إليه النفس، أن هذه السورة من السور المكية الخالصة، ولا يوجد دليل يعتمد عليه يخالف ذلك.
قال الشوكانى: سورة «البلد» ، ويقال لها سورة «لا أقسم» وهي عشرون آية. وهي مكية بلا خلاف. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت سورة «لا أقسم» بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
2- وهي السورة الخامسة والثلاثون في ترتيب نزول السور، فقد كان نزولها بعد سورة «ق» ، وقبل سورة «الطارق» ، أما ترتيبها في المصحف فهي السورة التسعون.
ومن مقاصدها: التنويه بشأن مكة، لشرفها وحرمتها ووجود البيت المعظم بها، وتعداد نعم الله- تعالى- على الإنسان حتى يرجع عن عصيانه وغروره، ويخلص العبادة لخالقه، وبيان حسن عاقبة الأخيار، وسوء عاقبة الأشرار..
افتتحت السورة الكريمة بالقسم ، تشويقا لما يرد بعده ، وتأكيدا للمقسم عليه .
و " لا " فى مثل هذا التركيب ، يرى المحققون أنها مزيدة للتأكيد ، والمعنى : أقسم بهذا البلد . أى : مكة المكرمة ، وقد جاء القسم بها فى قوله - تعالى - : ( والتين والزيتون . وَطُورِ سِينِينَ . وهذا البلد الأمين ) قال الشيخ محمد عبده - رحمه الله - : قوله : ( لاَ أُقْسِمُ . . ) عبارة من عبارات العرب فى القسم ، يراد بها تأكيد الخبر ، كأنه فى ثبوته وظهوره لا يحتاج إلى قسم . ويقال إنه يؤتى بها فى القسم إذا أريد تعظيم المقسم به . كأن القائل يقول : إنى لا أعظمه بالقسم ، لأنه عظيم فى نفسه ، والمعنى فى كل حال على القسم . .
وقال بعض العلماء : " لا " هذه للنفى ، وهذه عبارة تعود العرب أن يقولوها عندما يكون المقسم عليه ظاهر أمره ، كأنه - تعالى - يقول : أنا لا أقسم بهذه الأشياء ، على إثبات هذا المطلوب الذى أذكره بعد ، لأن إثباته أظهر وأجلى وأقوى من أن يحاول محاول إثباته بالقسم .
ويقال : معناه : أنا لا أقسم بهذه الأشياء على إثبات المطلوب ، لأنه أعظم وأجل وأكبر من أن يقسم عليه ، بهذه الأمور الهينة الشأن ، والغرض على هذا الوجه ، تعظيم المقسم عليه ، وتفخيم شأنه . .
والإِشارة بلفظ " هذا " مع بيانه بالبلد ، إشارة إلى حاضر فى أذهان السامعين ، لأن مكة بعضهم كان يعيش فيها . وبعضهم كان يعرفها معرفة لاخفاء معها ، وشبيه بذلك قوله - تعالى - : ( إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ ) وفائدة الإِتيان باسم الإِشارة هنا : تمييز المقسم به أكمل تمييز لقصد التنويه به .