الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 21 من سورة النبأ
وبعد هذا البيان البديع لجانب من مظاهر قدرته - تعالى - على كل شئ ، ومن ألوان نعمه على خلقه ، ومن تقرير أن البعث حق . . بعد كل ذلك ، بين - سبحانه - جزاء الكافرين ، وجزاء المتقين فى هذا اليوم فقال - تعالى - :
( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ . . . ) .
قوله - سبحانه - : ( إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً . . . ) كلام مستأنف لبيان أهوال جهنم وأحوالها ، وجهنم : اسم لدار العذاب فى الآخرة .
والمرصاد : مفعال من الرَّصَد . تقول : رصدت فلانا أرصده ، إذا ترقيته وانتظرته ، بحيث لا يهرب منك ، " فمرصادا " صيغة مبالغة للراصد الشديد الرصد ، وصفت جهنم بذلك ، لأن الكافرين لا يستطيعون التفلت منها مهما حاولوا ذلك .
قال القرطبى : " مرصادا " مفعال من الرصد ، والرصد : كل شئ كان أمامك . . وقال مقاتل : " مرصادا " أى : محبسا . وقيل : طريقا وممرا . وذكر القشيرى : أن المرصاد : المكان الذى يرصد فيه الواحد العدد . أى : هى معدة لهم ، فالمرصاد بمعنى المحل . . وذكر الماوردى ، أنها بمعنى راصدة . . وفى الصحاح : الراصد الشئ الراقب له . تقول : رصدته أرصده ، إذا ترقبته . .
والمعنى : إن جهنم التى هى دار العذاب فى الآخرة ، كانت - بأمر الله - تعالى - ومشيئته - معدة ومهيئة للكافرين ، فهى ترصدهم وترقبهم بحيث لا يستطيعون الهرب منها ، فهى كالحارس اليقظ الذى يقف بالمرصد فلا يستطيع أحد أن يتجاوزه .
والمقصود بالآية الكريمة تهديد المشركين ، وبيان أنهم لا مهرب لهم من جهنم ، وأنها فى انتظارهم ، كما ينتظر العدو عدو ليقضى عليه .