الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 118 من سورة الأعراف
فَوَقَعَ الْحَقُّ أى: ظهر وتبين وثبت الحق الذي عليه موسى- وفسد وبطل ما كانوا
يعملون من الحيل والتخييل وذهب تأثيره. وترتب على ذلك أن أصابت الهزيمة المنكرة فرعون وملأه وسحرته في ذلك المجمع العظيم، الذي حشر الناس له في يوم عيدهم وزينتهم، وانقلب الجميع إلى بيوتهم صاغرين أذلاء، بعد أن أنزل بهم موسى الخذلان والخيبة.
وان قوله أَنْ أَلْقِ يجوز أن تكون مفسرة لتقدم ما فيه معنى القول دون حروفه وهو الإيحاء، ويجوز أن تكون مصدرية فتكون هي وما بعدها مفعول الإيحاء.
والفاء في قوله فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ فصيحة أى: فألقاها فصارت حية فإذا هي تلقف ما يأفكون.
وإنما حذف هذا المقدر للإيذان بمسارعة موسى إلى الإلقاء، وبغاية سرعة الانقلاب، كأن ابتلاعها لما يأفكون قد حصل متصلا بالأمر بالإلقاء.
وما في قوله ما يَأْفِكُونَ موصولة والعائد محذوف أى: الذي يأفكونه، أو مصدرية وهي مع الفعل بمعنى المفعول أى: فإذا هي تلقف المأفوك.
وفي التعبير بقوله- سبحانه- فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ تجسيم لهذا الحق الذي كان عليه موسى، وتثبيت واستقرار له، حتى لكأنه شيء ذو ثقل نزل على شيء آخر خفيف الوزن فأزاله ومحاه من الوجود.
وهذه الآيات الكريمة تصور لنا كيف أن الباطل قد يسحر عيون الناس ببريقه لفترة من الوقت، وقد يسترهب قلوبهم لساعة من الزمان، حتى ليخيل إلى الكثيرين الغافلين أنه غالب وجارف. ولكن ما إن يواجهه الحق الهادئ الثابت المستقر بقوته التي لا تغالب حتى يزهق ويزول، وينطفئ كشعلة الهشيم، وإذا بأتباع هذا الباطل يصيبهم الذل والصغار، وهم يرون صروحهم تتهاوى، وآمالهم تتداعى، أمام نور الحق المبين، وإذا بتحديهم الصريح، وتطاولهم الأحمق يتحول إلى استسلام مهين، وذل مشين.