الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 5 من سورة الممتحنة
رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا والفتنة هنا مصدر بمعنى المفتون، أى: المعذب، مأخوذ من فتن فلان الفضة إذا أذابها.
أى: يا ربنا لا تجعلنا مفتونين معذبين لهؤلاء الكافرين، بأن تسلطهم علينا فيفتنونا بعذاب لا نستطيع صده، كما قال- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ... أى:
عذبوهم وحاولوا إنزال الضرر والأذى بهم.
ويصح أن يكون المعنى: يا ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا، بأن تعذبنا بأيديهم، فيظنوا بسبب ذلك أنهم على الحق، ونحن على الباطل، ويزعموا أننا لو كنا على الحق ما انتصروا علينا.
ولبعض العلماء رأى آخر في فهم هذه الآية، وهو أن المراد بالفتنة هنا: اضطراب حال المسلمين وفساده. وكونهم لا يصلحون أن يكونوا قدوة لغيرهم في وجوه الخير ... فيكون المعنى: يا ربنا لا تجعل أعمالنا وأقوالنا سيئة. فيترتب على ذلك أن ينفر الكافرون من ديننا، بحجة أنه لو كان دينا سليما، لظهر أثر ذلك على أتباعه، ولكانوا بعيدين عن كل تفرق وتباعد وتأخر.
قال بعض العلماء ما ملخصه: قوله: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا. الفتنة:
اضطراب الحال وفساده، وهي اسم مصدر، فتجيء بمعنى المصدر، كقوله- تعالى-:
وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ.
وتجيء وصفا للمفتون والفاتن.
ومعنى جعلهم فتنة للذين كفروا: جعلهم مفتونين يفتنهم الذين كفروا، فيصدق ذلك بأن يتسلط عليهم الذين كفروا فيفتنون.
ويصدق- أيضا- بأن تختل أمور دينهم بسبب الذين كفروا. أى: بسبب محبتهم والتقرب منهم.
وعلى الوجهين، فالفتنة من إطلاق المصدر على اسم المفعول.. واللام في «للذين كفروا» على الوجهين- أيضا- للملك، أى: مفتونين مسخرين لهم.
ويجوز عندي أن تكون «فتنة» مصدرا بمعنى اسم الفاعل، أى: لا تجعلنا فاتنين، أى:
سبب فتنة للذين كفروا، فيكون كناية عن معنى: لا تغلب الذين كفروا علينا، واصرف عنا ما يكون من اختلال أمرنا، وسوء الأحوال، كي لا يكون شيء من ذلك فاتنا للذين كفروا.. أى: يزيدهم كفرا، لأنهم يظنون أنا على الباطل وأنهم على الحق .
وقوله: وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ أى: واغفر لنا يا ربنا ذنوبنا، إنك أنت الغالب الذي لا يغالب، الحكيم في كل أقواله وأفعاله.