الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 33 من سورة الرحمن
وقوله- سبحانه-: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ... مقول لقول محذوف، دل عليه ما قبله.
والمعشر- برنة مفعل- اسم للجمع الكثير الذي يعد عشرة فعشرة.
وقوله: تَنْفُذُوا من النفاذ بمعنى الخروج من الشيء، والأمر منه وهو قوله:
فَانْفُذُوا مستعمل في التعجيز. والأقطار: جمع قطر- بضم القاف وسكون الطاء- وهو الناحية الواسعة..
والمعنى: سنقصد إلى محاسبتكم ومجازاتكم على أعمالكم يوم القيامة، وسنقول لكم على سبيل التعجيز والتحدي. يا معشر الجن والإنس، إن استطعتم أن تنفذوا وتخرجوا من جوانب السموات والأرض ومن نواحيهما المتعددة.. فانفذوا واخرجوا، وخلصوا أنفسكم من المحاسبة والمجازاة..
وجملة: لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ بيان للتعجيز المتمثل في قوله- تعالى- فَانْفُذُوا، والسلطان المراد به هنا: القدرة والقوة.
أى: لا تنفذون من هذا الموقف العصيب الذي أنتم فيه إلا بقدرة عظيمة، وقوة خارقة، تزيد على قوة خالقكم الذي جعلكم في هذا الموقف، وأنى لكم هذه القوة التي أنتم أبعد ما تكونون عنها؟.
فالمقصود بالآية الكريمة، تحذير الفاسقين والكافرين، من التمادي في فسقهم وكفرهم، وبيان أنهم سيكونون في قبضة الله- تعالى- وتحت سلطانه، وأنهم لن يستطيعوا الهروب من قبضته وقضائه فيهم بحكمه العادل.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ. كَلَّا لا وَزَرَ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ .