الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 113 من سورة المائدة
ثم حكى القرآن ما رد به الحواريون على عيسى فقال: قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ.
أى: قال الحواريون لعيسى إننا نريد نزول هذه المائدة علينا من السماء لأسباب:
أولها: أننا نرغب في الأكل منها لننال البركة، ولأننا في حاجة إلى الطعام بعد أن ضيق علينا أعداؤك وأعداؤنا الذين لم يؤمنوا برسالتك.
وثانيها: أننا نرغب في نزولها لكي تزداد قلوبنا اطمئنانا إلى أنك صادق فيما تبلغه عن ربك، فإن انضمام علم المشاهدة إلى العلم الاستدلالي، مما يؤدى إلى رسوخ الإيمان، وقوة اليقين.
وثالثها: أننا نرغب في نزولها لكي نعلم أن قد صدقتنا في دعوى النبوة، وفي جميع ما تخبرنا به من مأمورات ومنهيات، لأن نزولها من السماء يجعلها تخالف ما جئتنا به من معجزات أرضية، وفي ذلك ما فيه من الدلالة على صدقك في نبوتك.
ورابع هذه الأسباب: أننا نرغب في نزولها لكي نكون من الشاهدين على هذه المعجزة عند الذين لم يحضروها من بنى إسرائيل، ليزداد الذين آمنوا منهم إيمانا، ويؤمن الذي عنده استعداد للإيمان.
وبذلك نرى ان الحواريين قد بينوا لعيسى- كما حكى القرآن عنهم- أنهم لا يريدون نزول المائدة من السماء لأنهم يشكون في قدرة الله، أو في نبوة عيسى أو أن مقصدهم من هذا الطلب التعنت. وإنما هم يريدون نزولها لتلك الأسباب السابقة التي يبغون من ورائها الأكل وزيادة الإيمان واليقين والشهادة أمام الذين لم يحضروا نزولها بكمال قدرة الله وصدق عيسى في نبوته.