الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 170 من سورة النساء
ثم وجه - سبحانه - نداء إلى الناس جميعا يأمرهم فيه بالإِيمان وينهاهم عن الكفر فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ }.
أى: يأيها المكلفون من الناس جميعا، قد جاءكم الرسول المشهود له بالصدق فى رسالته، بالهدى ودين الحق من ربكم، فآمنوا به وصدقوه وأطيعوه، يكن إيمانكم خيرا لكم فى الدنيا والآخرة.
فالخطاب فى الآية الكريمة للناس أجمعين، سواء أكان عربيا أم غير عربى أبيض أم أسود، بعيدا أم قريبا.
.. لأن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة وشاملة للناس جميعا.
والمراد بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم فأل فيه للعهد: وإيراده بعنوان الرسالة لتأكيد وجوب طاعته.
وقوله: { بِٱلْحَقِّ } متعلق بمحذوف على أنه حال من الرسول. أى: جاءكم الرسول ملتبسا بالحق الذى لا يحوم حوله باطل.
وقوله: { مِن رَّبِّكُمْ } متعلق بمحذوف على أنه حال أيضا من الحق. أو متعلق بجاء. أى: جاءكم من عند الله - تعالى - وليس منقولا.
ويرى بعضهم أن قوله { خَيْراً } خبر لكان المحذوفة مع اسمها، أى: فآمنوا به يكن إيمانكم خيرا لكم.
ويرى آخرون أنه صفة لمصدر محذوف. أى: فآمنوا إيمانا خيرا لكم. وهى صفة مؤكدة على حد أمس الدابر لا يعود، لأن الإِيمان لا يكون إلا خيراً.
فأنت ترى أن هذه الجملة الكريمة قد حضت الناس على الإِيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لأنه لم يجئهم بشئ باطل وإنما جاءهم بالحق الثابت الموافق لفطرة البشر أجمعين، ولأنه لم يجئهم بما جاءهم به من عند نفسه وإنما جاءهم بما جاءهم به من عند الله - تعالى - ولأنه لم يجئهم بما يفضى بهم إلى الشرور والآثام، وإنما جاءهم بما يوصلهم إلى السعادة فى الدنيا وإلى الفوز برضا الله فى الآخرة.
تلك هى عاقبة المؤمنين، أما عاقبة الكافرين فقد حذر - سبحانه - منها بقوله: { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً }.
أى: وإن تكفروا - أيها الناس - فلن يضر الله كفركم، فإنه - سبحانه - له ما فى السماوات والأرض خلقا وملكا وتصرفا، وكان الله - تعالى - عليما علما تاما بأحوال خلقه، حكيما فى جميع أفعاله وتدبيراته.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد توعدت الكافرين بسوء المصير، وحضت الناس على الدخول فى زمرة المؤمنين، وحذرتهم من الكفر حتى ينجوا يوم القيامة من عذاب السعير.
ثم وجهت السورة الكريمة بعد ذلك نداء إلى أهل الكتاب حذرتهم فيه من المغالاة فى شأن عيسى - عليه السلام - وبينت لهم وللناس أن عيسى إنما هو عبد الله ورسوله، وبشرت المؤمنين بالأجر الجزيل، وأنذرت المستكبرين بالعذاب الأليم. استمع إلى القرآن الكريم وهو يرشد إلى كل ذلك فيقول: { يٰأَهْلَ....صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }.