الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 22 من سورة الزمر
ثم نفى- سبحانه- المساواة بين المؤمن والكافر، وبين المهتدى والضال فقال: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ ...
أى: أفمن شرح الله- تعالى- صدره للإسلام، وجعله مستعدا لقبول الحق فهو بمقتضى هذا الشرح والقبول صار على نور وهداية من ربه، كمن قسا قلبه وغلظ، وأصبح أسيرا للظلمات والأوهام..
لا شك أنهما لا يستويان في عقل أى عاقل.
فالاستفهام للإنكار والنفي، و «من» اسم موصول مبتدأ، والخبر محذوف لدلالة قوله- تعالى- فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عليه.
أى: فهلاك وخزي لأولئك المشركين الذين قست قلوبهم من أجل ذكر الله- تعالى-، الذي من شأنه أن تلين له القلوب، ولكن هؤلاء الكافرين إذا ما ذكر الله- تعالى-، اشمأزت قلوبهم، وقست نفوسهم، لانطماس بصائرهم. واستحواذ الشيطان عليهم.
ومنهم من جعل «من» في قوله مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ بمعنى عن. أى: فويل للقاسية قلوبهم عن قبول ذكر الله وطاعته وخشيته.
قال صاحب الكشاف: قوله: مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أى: من أجل ذكره، أى: إذا ذكر الله عندهم أو آياته اشمأزوا، وازدادت قلوبهم قساوة، كقوله- تعالى-: فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وقرئ: عن ذكر الله.
فإن قلت: ما الفرق بين من وعن في هذا؟ قلت: إذا قلت قسا قلبه من ذكر الله، فالمعنى ما ذكرت، من أن القسوة من أجل الذكر وبسببه. وإذا قلت: عن ذكر الله، فالمعنى: غلظ عن قبول الذكر وجفا عنه. ونظيره: سقاه من العيمة. أى: من أجل عطشه. وسقاه عن العيمة، إذا أرواه حتى أبعده عن العطش» .
ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان مآل هؤلاء الذين قست قلوبهم فقال: أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ.
أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الذميمة في ضلال واضح عن الصراط المستقيم.
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ، كَذلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ .
ثم مدح- سبحانه- كتابه مدحا يليق به، وبين حال المؤمنين الصادقين عند سماعه، وسلى نبيه صلّى الله عليه وسلم عما أصابه من أعدائه. فقال- تعالى-: