الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 10 من سورة الزمر
والمعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لعبادي المؤمنين الصادقين: داوموا على الخوف من ربكم، وعلى صيانة أنفسكم من كل ما يغضبه.
وفي التعبير بقوله- تعالى-: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا دون قوله: قل لعبادي الذين آمنوا.. تكريم وتشريف لهم، لأنه- سبحانه- أمر رسوله صلّى الله عليه وسلم أن يناديهم بهذا النداء الذي فيه ما فيه من التكريم لهم، حيث أضافهم إلى ذاته- تعالى- وجعل وظيفة الرسول صلّى الله عليه وسلم إنما هي التبليغ عنه- عز وجل-.
قال الآلوسى: قوله- تعالى-: قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ: أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يذكر المؤمنين ويحملهم على التقوى والطاعة، إثر تخصيص التذكر بأولى الألباب، وفيه إيذان بأنهم هم.
أى: قل لهم قولي هذا بعينه، وفيه تشريف لهم بإضافتهم إلى ضمير الجلالة ومزيد اعتناء بشأن المأمور به، فإن نقل عين أمر الله- تعالى- أدخل في إيجاب الامتثال به وجملة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ تعليل لوجوب الامتثال لما أمروا به من تقوى الله- تعالى- والاستجابة لإرشاداته.
وقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا متعلق بمحذوف خبر مقدم، وقوله فِي هذِهِ الدُّنْيا متعلق بقوله: أحسنوا، وقوله حَسَنَةٌ مبتدأ مؤخر.
أى: للذين أحسنوا في هذه الدنيا أقوالهم وأعمالهم.. حسنة عظيمة في الآخرة، ألا وهي جنة عرضها السموات والأرض.
وقوله- تعالى-: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ جملة معترضة لإزاحة ما عسى أن يتعللوا به من أعذار، إذا ما حملهم البقاء في أوطانهم على التفريط في أداء حقوق الله.
قال صاحب الكشاف: ومعنى: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ أن لا عذر للمفرطين في الإحسان ألبتة، حتى إن اعتلوا بأوطانهم وبلادهم، وأنهم لا يتمكنون فيها من التوفر على الإحسان، وصرف الهمم إليه قيل لهم: فإن أرض الله واسعة، وبلاده كثيرة، فلا تجتمعوا مع العجز، وتحولوا إلى بلاد أخر، واقتدوا بالأنبياء والصالحين في مهاجرتهم إلى غير بلادهم ليزدادوا إحسانا إلى إحسانهم، وطاعة إلى طاعتهم .
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله- تعالى-: يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ.
ثم بين- سبحانه- حسن عاقبة الصابرين فقال: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ أى: إنما يوفى الصابرون على مفارقة الأوطان، وعلى تحمل الشدائد والمصائب في سبيل إعلاء كلمة الله ... يوفون أجرهم العظيم على كل ذلك بغير حساب من الحاسبين. لأنهم لا يستطيعون معرفة ما أعده- سبحانه- لهؤلاء الصابرين من عطاء جزيل، ومن ثواب عظيم، وإنما الذي يعرف ذلك هو الله- تعالى- وحده.
قال الإمام الشوكانى: أى: يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسبانه حاسب.
والحاصل أن الآية تدل على أن ثواب الصابرين وأجرهم لا نهاية له، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب فهو متناه، وما كان لا يدخل تحت الحساب فهو غير متناه. وهي فضيلة عظيمة ومثوبة جليلة، تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله، وطامع فيما عنده من الخير، أن يتوفر على الصبر، ويزم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده، فإن الجزع لا يرد قضاء قد نزل، ولا يجلب خيرا قد سلب، ولا يدفع مكروها قد وقع.. .