الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 23 من سورة سبأ
ثم نفى- سبحانه- أن تكون هناك شفاعة من أحد لأحد إلا بإذنه- تعالى- فقال: وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ.
والشفاعة: من الشفع الذي هو ضد الوتر- أى: الفرد-، ومعناها: انضمام الغير إلى الشخص ليدفع عنه ما يمكن دفعه من ضر.
أى: ولا تنفع الشفاعة عند الله- تعالى- من أحد لأحد، إلا لمن أذن الله- تعالى- له في ذلك.
قال الآلوسى ما ملخصه: والمراد نفى شفاعة الأصنام لعابديها، لكنه- سبحانه- ذكر ذلك على وجه عام، ليكون طريقا برهانيا. أى: لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال، أو كائنة لمن كانت، إلا كائنة لشافع أذن له فيها من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة.
ومن البين أنه لا يؤذن في الشفاعة للكفار، فقد قال- تعالى-: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً والشفاعة لهم بمعزل عن الصواب، وعدم الإذن للأصنام أبين وأبين، فتبين حرمان هؤلاء الكفرة منها بالكلية ....
وقوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ماذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ.. بيان لما يكون عليه المنتظرون للشفاعة، من لهفة وقلق.
والتضعيف في قوله فُزِّعَ للسلب. كما في قولهم: مرّضت المريض إذا عملت على إزالة مرضه.
فمعنى: فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: كشف الفزع عنها، وهدأت أحوالها بعد أن أصابها ما أصابها من هول وخوف في هذا اليوم الشديد، وهو يوم القيامة.
وحَتَّى غاية لما فهم من الكلام قبلها، من أن هناك تلهفا وترقبا من الراجين للشفاعة ومن الشفعاء، إذ الكل منتظر بقلق لما يؤول إليه أمره من قبول الشفاعة أو عدم قبولها.
والمعنى: ولا تقبل الشفاعة يوم القيامة من أحد إلا لمن أذن الله- تعالى- له في ذلك، وفي هذا اليوم الهائل الشديد، يقف الناس في قلق ولهفة منتظرين قبول الشفاعة فيهم. حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بسبب إذن الله- تعالى- في قبولها ممن يشاء ولمن يشاء، واستبشر الناس وقال بعضهم لبعض، أو قالوا للملائكة: ماذا قالَ رَبُّكُمْ أى:
ماذا قال ربكم في شأننا ومصيرنا.
وهنا تقول لهم الملائكة، أو يقول بعضهم لبعض: قالُوا الْحَقَّ أى: يقولون قال ربنا القول الحق وهو الإذن في الشفاعة لمن ارتضى.
فلفظ الْحَقَّ منصوب بفعل مضمر. أى: قالوا قال ربنا الحق أو صفة لموصوف محذوف. أى: قالوا: قال ربنا القول الحق.
وَهُوَ- سبحانه- الْعَلِيُّ أى: المتفرد بالعلو فوق خلقه الْكَبِيرُ أى: المتفرد بالكبرياء والعظمة.
قال صاحب الكشاف- رحمه الله-: فإن قلت: بم اتصل قوله: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ، ولأى شيء وقعت حتى غاية؟.
قلت: اتصل بما فهم من هذا الكلام، من أن ثم انتظارا للإذن، وتوقعا وتمهلا وفزعا من الراجين للشفاعة والشفعاء، هل يؤذن لهم أولا؟ وأنه لا يطلق الإذن إلا بعد ملىّ من الزمان، وطول التربص ...
كأنه قيل: ينتظرون ويتوقفون كليا فزعين وهلين، حتى إذا كشف الفزع عن قلوب الشافعين والمشفوع لهم، بكلمة يتكلم بها رب العزة في إطلاق الإذن: تباشروا بذلك وسأل بعضهم بعضا ماذا قالَ رَبُّكُمْ، قالُوا قال الْحَقَّ أى: القول الحق، وهو الإذن بالشفاعة لمن ارتضى.. .