الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 39 من سورة الأنبياء
وهنا يسوق القرآن ما يدل على غفلتهم وسوء تفكيرهم، وعلى أنهم لو كانوا يعلمون ما ينتظرهم من عذاب يوم القيامة، لما تفوهوا بما تفوهوا به- فيقول- سبحانه- لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ، وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ.
وجواب «لو» محذوف. و «يعلم» بمعنى يعرف، و «حين» مفعوله.
أى: لو عرف الكافرون وقت وقوع العذاب بهم. وما فيه من فظائع تجعلهم يعجزون عن دفع النار عن وجوههم وعن ظهورهم.. لو يعرفون ذلك لما استعجلوه. ولما استخفوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وبأصحابه، لكن عدم معرفتهم هي التي جعلتهم يستعجلون ويستهزئون.
وخص- سبحانه- الوجوه والظهور بالذكر. لكونهما أظهر الجوانب، ولبيان أن العذاب سيغشاهم من أمامهم ومن خلفهم دون أن يملكوا له دفعا.
وقال- سبحانه- وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ لبيان أنهم مع عجزهم عن دفع العذاب بأنفسهم. فإن غيرهم- أيضا- لن يستطيع دفعه عنهم.
قال صاحب الكشاف: «جواب «لو» محذوف. و «حين» مفعول به ليعلم. أى: لو يعلمون الوقت الذي يستعلمون عنه بقولهم: «متى هذا الوعد» وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من وراء وقدام، فلا يقدرون على دفعها ومنعها من أنفسهم، ولا يجدون ناصرا ينصرهم لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال، ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم، ويجوز أن يكون «يعلم» متروكا بلا تعدية، بمعنى: لو كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين، لما كانوا مستعجلين، وحين: منصوب بمضمر، أى حين «لا يكفون عن وجوههم النار» يعلمون أنهم كانوا على الباطل.. .