الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 91 من سورة طه
ولكن هذه النصيحة الحكيمة من هارون لهم لم تجد أذنا صاغية. بل قابلوا نصيحته لهم بالاستخفاف والتصميم على ما هم فيه من ضلال، إذ قالوا في الرد عليه: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ أى: سنستمر على عبادة العجل، وسنواظب على هذه العبادة مواظبة تامة حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى فنرى ماذا سيكون منه.
فهم لجهالاتهم وانطماس بصائرهم، وسوء أدبهم، يرون أن هارون- عليه السلام- ليس أهلا للنصيحة والطاعة، مع أنه قد خاطبهم بأحكم أسلوب، وألطف منطق.
قال الرازي: واعلم أن هارون- عليه السلام- سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم عن الباطل- أولا- بقوله: يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ ثم دعاهم إلى معرفة الله- ثانيا- بقوله: وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ثم دعاهم- ثالثا- إلى معرفة النبوة بقوله:
فَاتَّبِعُونِي ثم دعاهم- رابعا- إلى الشرائع بقوله: وَأَطِيعُوا أَمْرِي.
وهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطه الأذى عن الطريق وهو إزالة الشبهات، ثم معرفة الله- تعالى- هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة: فثبت أن هذا الترتيب على أحسن الوجوه، ولكنهم لجهلهم وعنادهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في الاستدلال، بالتقليد والجمود فقالوا: لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى .
ثم بين- سبحانه- ما قاله موسى لأخيه هارون بعد أن رأى ما عليه قومهما من ضلال، فقال- تعالى-: