الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 16 من سورة مريم
قال ابن كثير: «لما ذكر الله تعالى- قصة زكريا- عليه السلام- وأنه أوجد منه في حال كبره وعقم زوجته ولدا زكيا طاهرا مباركا، وعطف بذكر قصة مريم، في إيجاده ولدها عيسى- عليه السلام- منها من غير أب.
وهي مريم ابنة عمران- من سلالة داود- عليه السلام- وكانت من بيت طاهر في بنى إسرائيل ... ونشأت نشأة عظيمة، فكانت إحدى العابدات الناسكات ...
وكانت في كفالة زوج أختها زكريا- عليه السلام- ورأى لها من الكرامات الهائلة ما بهره ... » .
والمعنى: وَاذْكُرْ
- أيها الرسول الكريم- فِي الْكِتابِ
أى في هذه السورة الكريمة، أو في القرآن الكريم، خبر مريم وقصتها إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا
أى: وقت أن تنحت عنهم واعتزلتهم في مكان يلي الناحية الشرقية من بيت المقدس، أو من بيتها الذي كانت تسكنه.
وفي التعبير بقوله- تعالى- إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها
إشارة إلى شدة عزلتها عن أهلها إذ النبذ معناه الطرح والرمي، فكأنها ألقت بنفسها في هذا المكان لتختلى للعبادة والطاعة، والتقرب إلى الله- تعالى- بصالح الأعمال.
قال القرطبي: واختلف الناس لم انتبذت؟ فقال السدى: انتبذت لتطهر من حيض أو نفاس. وقال غيره: لتعبد الله وهذا حسن. وذلك أن مريم كانت وقفا على سدانة المعبد وخدمته والعبادة فيه، فتنحت من الناس لذلك، ودخلت في المسجد إلى جانب المحراب في شرقيه لتخلو للعبادة..
فقوله مَكاناً شَرْقِيًّا
أى: مكانا من جانب الشرق. والشرق- بسكون الراء- المكان الذي تشرق فيه الشمس. والشرق- بفتح الراء- الشمس.
وإنما خص المكان بالشرق، لأنهم كانوا يعظمون جهة المشرق، حيث تطلع الأنوار ... » .