الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 32 من سورة الكهف
والمثل في اللغة: الشبيه والنظير، وهو في عرف القرآن الكريم: الكلام البليغ المشتمل على تشبيه بديع.
وضرب المثل: إيراده، وعبر عن إيراده بالضرب، لشدة ما يحدث عنه من التأثير في نفس السامع.
أى: واضرب- أيها الرسول الكريم- مثلا للمؤمنين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه، وللكافرين الذين غرتهم الحياة الدنيا، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة.
قال الآلوسى: والمراد بالرجلين: إما رجلان مقدران على ما قيل، وضرب المثل لا يقتضى وجودهما. وإما رجلان موجودان وهو المعول عليه. فقيل هما رجلان من بنى إسرائيل أحدهما: كافر.. والآخر: مؤمن.
ثم قال: والمراد ضربهما مثلا للفريقين المؤمنين والكافرين، لا من حيث أحوالهما المستفادة مما ذكر آنفا، بل من أن للمؤمنين في الآخرة كذا، وللكافرين فيها كذا، من حيث عصيان الكفرة مع تقلبهم في نعم الله، وطاعة المؤمنين مع مكابدتهم مشاق الفقر».
أى: واضرب لهم مثلا من حيثية العصيان مع النعمة، والطاعة مع الفقر، حال رجلين:
جَعَلْنا لِأَحَدِهِما وهو الكافر جَنَّتَيْنِ أى: بستانين، ولم يعين- سبحانه- مكانهما، لأنه لم يتعلق بهذا التعيين غرض.
ثم بين ما اشتملت عليه هاتان الجنتان من خيرات فقال: مِنْ أَعْنابٍ جمع عنب، والعنبة الحبة منه. والمراد: من كروم متنوعة.
وقوله: وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً بيان لما أضيف إلى الجنتين من مناظر تزيدهما بهجة وفائدة.
والحف بالشيء: الإحاطة به. يقال: فلان حفه القوم، أى: أحاطوا به، ومنه قوله- تعالى-: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ....
أى: جعلنا لأحد الرجلين، وهو الكافر منهما جنتين من أعناب، وأحطناهما بنخل ليكون كالحماية النافعة لهما، وجعلنا في وسطهما زرعا وبذلك تكون الجنتان جامعتين للأقوات والفواكه، مشتملتين على ما من شأنه أن يشرح الصدر، ويفيد الناس.