الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 30 من سورة إبراهيم
ثم بين- سبحانه- لونا ثالثا من ألوان أعمالهم القبيحة، وعقائدهم الباطلة فقال وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ ...
والأنداد: جمع ند وهو مثل الشيء الذي يضاده وينافره ويتباعد عنه.
وأصله من ند البعير يند- بكسر النون- ندا- بالفتح- إذا نفر وذهب على وجهه شاردا.
وقوله «ليضلوا» قرأ الجمهور- بضم الياء- من أضل غيره إذا جعله ضالا.
أى: أن هؤلاء الخاسرين لم يكتفوا بمقابلة نعمة الله بالجحود، وإحلال قومهم دار البوار، بل أضافوا إلى ذلك أنهم جعلوا لله- تعالى- أمثالا ونظراء، ليصرفوا غيرهم عن الطريق الحق، والصراط المستقيم، الذي هو إخلاص العبادة لله- تعالى- وحده.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «ليضلوا» - بفتح الياء- أى: ليستمروا في ضلالهم، فإنهم حين جعلهم الأنداد لله- تعالى- كانوا ضالين، وجهلوا ذلك فاستمروا في ضلالهم توهما منهم أنهم على صواب.
قال صاحب الكشاف: قرئ «ليضلوا» بفتح الياء وضمها. فإن قلت: الضلال لم يكن غرضهم في اتخاذ الأنداد فما معنى اللام؟
قلت: لما كان الضلال والإضلال نتيجة اتخاذ الأنداد، كما كان الإكرام في قولك، جئتك لتكرمنى نتيجة المجيء، دخلته اللام، وإن لم يكن غرضا، على طريق التشبيه والتقريب»
وقوله- سبحانه- قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أمر منه- عز وجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يهددهم بهذا المصير الأليم.
والتمتع بالشيء: الانتفاع به مع التلذذ والميل إليه.
أى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الخاسرين، تمتعوا بما شئتم التمتع به من شهوات ولذائذ، فإن مصيركم إلى النار لا محالة.
قال صاحب فتح القدير ما ملخصه: قوله «قل تمتعوا» بما أنتم فيه من الشهوات، وبما زينته لكم أنفسكم من كفران للنعم «فإن مصيركم إلى النار» أى: مرجعكم إليها ليس إلا.
ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه لا يقلعون عنه. جعل- سبحانه- الأمر بمباشرته مكان النهى عن قربانه، إيضاحا لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار.
فجملة «فإن مصيركم إلى النار» تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره.
ويجوز أن تكون هذه الجملة جوابا لمحذوف دل عليه السياق كأنه قيل: قل تمتعوا فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار.
والأول أولى والنظم القرآنى عليه أدل، وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان: اصنع ما شئت من المخالفة فإن مصيرك إلى السيف» .
وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ .
وقوله- تعالى-: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ .
وقوله- تعالى- لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ .