الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 24 من سورة الرعد
وقوله- سبحانه- وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ... زيادة في تكريمهم، وحكاية لما تحييهم به الملائكة.
أى: والملائكة يدخلون على هؤلاء الأوفياء الصابرين ... من كل باب من أبواب منازلهم في الجنة، قائلين لهم: «سلام عليكم» أى: أمان دائم عليكم بِما صَبَرْتُمْ أى: بسبب صبركم على كل ما يرضى الله- تعالى-.
فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ أى: فنعم العاقبة عاقبة دنياكم، والمخصوص بالمدح محذوف لدلالة المقام عليه، أى: الجنة.
وفي قوله- سبحانه- يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ إشارة إلى كثرة قدوم الملائكة عليهم، وإلى كثرة أبواب بيوتهم، تكريما وتشريفا وتأنيسا لهم.
وجملة سَلامٌ عَلَيْكُمْ مقول لقول محذوف، وهو حال من فاعل يدخلون وهم الملائكة.
وهي بشارة لهم بدوام السلامة.
وفي قوله بِما صَبَرْتُمْ إشارة إلى أن صبرهم على مشاق التكاليف، وعلى الأذى، وعلى كل ما يحمد فيه الصبر، كان على رأس الأسباب التي أوصلتهم إلى تلك المنازل العالية.
هذا ومن الأحاديث التي ذكرها الإمام ابن كثير هنا، ما رواه الإمام أحمد- بسنده- عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم: قال: أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون، الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لمن يشاء من ملائكته: ائتوهم فحيوهم. فتقول الملائكة: نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتى هؤلاء فنسلم عليهم؟
قال: إنهم كانوا عبادا يعبدونني لا يشركون بي شيئا، وتسد بهم الثغور. وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره، فلا يستطيع لها قضاء. قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك، فيدخلون عليهم من كل باب سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ .