الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 90 من سورة يونس
قوله- سبحانه- وَجاوَزْنا هو من جاوز المكان، إذا قطعه وتخطاه وخلفه وراء ظهره وهو متعد بالباء إلى المفعول الأول الذي كان فاعلا في الأصل، وإلى الثاني بنفسه.
والمراد بالبحر هنا: بحر القلزم، وهو المسمى الآن بالبحر الأحمر. وقوله بَغْياً وَعَدْواً أى ظلما واعتداء. يقال: بغى فلان على فلان بغيا، إذا تطاول عليه وظلمه.
ويقال: عدا عليه عدوا وعدوانا إذا سلبه حقه.
وهما مصدران منصوبان على الحالية بتأويل اسم الفاعل. أى: باغين وعادين. أو على المفعولية لأجله أى: من أجل البغي والعدوان.
والمعنى: وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، وهم تحت رعايتنا وقدرتنا، حيث جعلناه لهم طريقا يبسا، فساروا فيه حتى بلغوا نهايته، فأتبعهم فرعون وجنوده لا لطلب الهداية والإيمان، ولكن لطلب البغي والعدوان.
قال الآلوسى: «وذلك أن الله- تعالى- لما أخبر موسى وهارون- عليهما السلام- بإجابته دعوتهما، أمرهما بإخراج بنى إسرائيل من مصر ليلا، فخرجا بهم على حين غفلة من فرعون وملئه، فلما أحسن بذلك، خرج هو وجنوده على أثرهم مسرعين، فالتفت القوم فإذا الطامة الكبرى وراءهم، فقالوا يا موسى، هذا فرعون وجنوده وراءنا. وهذا البحر أمامنا فكيف الخلاص، فأوحى الله- تعالى- إلى موسى، أن اضرب بعصاك البحر، فضربه فانفلق اثنى عشر فرقا كل فرق كالطود العظيم، وصار لكل سبط طريق فسلكوا، ووصل فرعون ومن معه إلى الساحل وبنو إسرائيل قد خرجوا من البحر ومسلكهم باق على حاله، فسلكه فرعون وجنوده، فلما دخل آخرهم وهم أولهم بالخروج من البحر، انطبق عليهم وغشيهم من اليم ما غشيهم» .
ثم حكى- سبحانه- ما قاله فرعون عند ما نزل به قضاء الله الذي لا يرد فقال- تعالى-: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
أى: لقد اتبع فرعون وجنوده بنى إسرائيل بغيا وعدوا، فانطبق عليه البحر، ولفه تحت أمواجه ولججه، حتى إذا أدركه الغرق وعاين الموت وأيقن أنه لا نجاة له منه، قال آمنت وصدقت. بأنه لا معبود بحق سوى الإله الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من القوم الذين أسلموا نفوسهم لله وحده وأخلصوها لطاعته.