الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 62 من سورة يونس
والأولياء: جمع ولى مأخوذ من الولي بمعنى القرب والدنو، يقال: تباعد فلان من بعد ولى أى: بعد قرب.
والمراد بهم: أولئك المؤمنون الصادقون الذي صلحت أعمالهم، وحسنت بالله- تعالى- صلتهم، فصاروا يقولون ويفعلون كل ما يحبه، ويجتنبون كل ما يكرهه.
قال الفخر الرازي: «ظهر في علم الاشتقاق أن تركيب الواو واللام والياء يدل على معنى القرب، فولى كل شيء هو الذي يكون قريبا منه.
والقرب من الله إنما يتم إذا كان القلب مستغرقا في نور معرفته، فإن رأى رأى دلائل قدرته، وإن سمع سمع آيات وحدانيته، وإن نطق نطق بالثناء عليه، وإن تحرك تحرك في خدمته، وإن اجتهد اجتهد في طاعته، فهنالك يكون في غاية القرب من الله- تعالى- ويكون وليا له- سبحانه-.
وإذا كان كذلك كان الله- وليا له- أيضا- كما قال: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ.
وقد افتتحت الآية الكريمة بأداة الاستفتاح أَلا وبحرف التوكيد إِنَّ لتنبيه الناس إلى وجوب الاقتداء بهم، حتى ينالوا ما ناله أولئك الأولياء الصالحون من سعادة دنيوية وأخروية.
وقوله: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ تمييز لهم عن غيرهم ممن لم يبلغوا درجتهم.
والخوف: حالة نفسية تجعل الإنسان مضطرب المشاعر لتوقعه حصول ما يكرهه.
والحزن اكتئاب نفسي يحدث للإنسان من أجل وقوع ما يكرهه.
أى: أن الخوف يكون من أجل مكروه يتوقع حصوله، بينما الحزن يكون من أجل مكروه قد وقع فعلا.
والمعنى: ألا إن أولياء الله الذين صدق إيمانهم، وحسن عملهم، لا خوف عليهم من أهوال الموقف وعذاب الآخرة، ولا هم يحزنون على ما تركوا وراءهم من الدنيا، لأن مقصدهم الأسمى رضا الله- سبحانه-، فمتى فعلوا ما يؤدى إلى ذلك هان كل ما سواه.