الوسيط للطنطاوي
تفسير الآية رقم 34 من سورة يونس
أى: قل يا محمد لهؤلاء الغافلين عن الحق: هل من شركائكم الذين عبدتموهم من دون الله، أو أشركتموهم مع الله، من له القدرة على أن يبدأ خلق الإنسان من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة ... ثم ينشئه خلقا آخر، ثم يعيده إلى الحياة مرة أخرى بعد موته؟
قل لهم يا محمد: الله وحده هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، أما شركاؤكم فهم أعجز من أن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له ...
وإذا كان الأمر كذلك من الوضوح والظهور فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ والإفك الصرف والقلب عن الشيء. يقال: أفكه عن الشيء يأفكه أفكا، إذا قلبه عنه وصرفه.
أى فكيف ساغ لكم أن تصرفوا عقولكم عن عبادة الإله الحق، إلى عبادة أصنام لا تنفع ولا تضر؟!.
وجاءت جملة قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ.. بدون حرف العطف على ما قبلها للإيذان باستقلالها في حصول المطلوب، وإثبات المقصود.
وساق- سبحانه- الأدلة بأسلوب السؤال والاستفهام، لأن الكلام إذا كان واضحا جليا ثم ذكر على سبيل الاستفهام، وتفويض الجواب إلى المسئول كان ذلك أبلغ وأوقع في القلب.
وجعل- سبحانه- إعادة المخلوقات بعد موتها حجة عليهم في التدليل على قدرته مع عدم اعترافهم بها، للإيذان بسطوع أدلتها، لأن القادر على البدء يكون أقدر على الإعادة كما قال- تعالى- وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.. .
فلما كان إنكارهم لهذه الحقيقة الواضحة من باب العناد أو المكابرة، نزل إنكارهم لها منزلة العدم.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله: «فإن قلت: كيف قيل لهم هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده، وهم غير معترفين بالإعادة؟.
قلت: قد وضعت إعادة الخلق لظهور برهانها موضع ما إن دفعه دافع كان مكابرا رادا الظاهر البين الذي لا مدخل للشبهة فيه، ودلالة على أنهم في إنكارهم لها منكرون أمرا مسلما معترفا بصحته عند العقلاء. وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: قُلِ اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فأمره بأن ينوب عنهم في الجواب. يعنى أنه لا يدعهم لجاجهم ومكابرتهم أن ينطقوا بكلمة الحق فتكلم أنت عنهم..» .