تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 1 من سورة الفجر
وَالْفَجْرِ (1) القَسَم بهذه الأزمان من حيث إن بعضها دلائل بديع صنع الله وسعةِ قدرته فيما أوجد من نظام يُظاهر بعضه بعضاً من ذلك وقتَ الفجر الجامع بين انتهاء ظلمة الليل وابتداء نور النهار ، ووقت الليل الذي تمحضت فيه الظلمة . وهي مع ذلك أوقات لأفعال من البر وعبادةِ الله وحده ، مثل الليالي العشر ، والليالي الشفع ، والليالي الوتر .
والمقصود من هذا القَسَم تحقيق المقسم عليه لأن القسم في الكلام من طرق تأكيد الخبر إذ القسم إشهاد المُقسِم ربه على ما تضمنه كلامه .
وقسم الله تعالى متمحض لقصد التأكيد .
والكلام موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما دل عليه قوله : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد } [ الفجر : 6 ] وقوله : { إن ربك لبالمرصاد } [ الفجر : 14 ] .
ولذلك فالقسم تعريض بتحقيق حصول المقسم عليه بالنسبة للمنكرين .
والمقصد من تطويل القسم بأشياء ، التشويقُ إلى المقسم عليه .
و { الفجر } : اسم لوقتتِ ابتداء الضياء في أقصى المشرق من أوائل شعاع الشمس حين يتزحزح الإِظلام عن أول خط يلوح للناظرِ مِنَ الخطوط الفرضية المعروفةِ في تخطيط الكرة الأرضية في الجغرافيا ثم يمتد فيضيء الأفق ثم تظهر الشمس عند الشروق وهو مظهر عظيم من مظاهر القدرة الإلهية وبديع الصنع .
فالفجر ابتداء ظهور النور بعد ما تأخذ ظلمة الليل في الإِنصرام وهو وقت مبارك للناس إذ عنده تنتَهي الحالة الداعية إلى النوم الذي هو شبيه الموت؛ ويأخذ الناس في ارتجاع شعورهم وإقبالهم على ما يألفونه من أعمالهم النافعة لهم .
فالتعريف في { الفجر } تعريف الجنس وهو الأظهر لمناسبة عطف { والليل إذا يسر } .
ويجوز أن يراد فجر معين : فقيل أريد وقت صلاة الصبح من كل يوم وهو عن قتادة . وقيل : فجر يوم النحر وهو الفجر الذي يكون فيه الحجيج بالمزدلفة وهذا عن ابن عباس وعطاء وعكرمة ، فيكون تعريف { الفجر } تعريف العهد .