تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 13 من سورة الغاشية
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) صفة رابعة لجنة .
وأعيد قوله : { فيها } دون أن يعطف { سرر } على { عين } [ الغاشية : 12 ] عطفَ المفردات لأن عطف السرر على { عَيْنٌ } يبدو نابياً عن الذوق لعدم الجامع بين عين الماء والسرر في الذهن لولا أن جمعها الكون في الجنة فلذلك كرر ظرف { فيها } تصريحاً بأن تلك الظرفية هي الجامع ، ولأن بين ظرفية العين الجارية في الجنة وبين ظرفية السرر وما عطف عليه من متاع القصور والأثاث تفاوتاً و { سُرر } : جمع سرير ، وهو ما يُجلس عليه ويضطجع عليه فيسع الإنسان المضطجع ، يتخذ من خشب أو حديد له قوائم ليكون مرتفعاً عن الأرض . ولما كان الارتفاع عن الأرض مأخوذاً في مفهوم السرر كان وصفها ب { مرفوعة } لتصوير حُسنها .
و { الأكواب } : جمع كُوب بضم الكاف ، وهو إناء للخَمر له ساق ولا عروة له .
و { موضوعةٌ } : أي لا ترفع من بين أيديهم كما تُرفع آنية الشراب في الدنيا إذا بلغ الشاربون حد الاستطاعة من تناول الخمر ، وكني ب { موضوعة } عن عدم انقطاع لذة الشراب طَعماً ونشوة ، أي موضوعة بما فيها من أشربة .
وبَينَ { مرفوعة } و { موضوعة } ، إيهَام الطِّباق لأن حقيقة معنى الرفع ضد حقيقة معنى الوضع ، ولا تضادَّ بين مجاز الأول وحقيقة الثاني ولكنه إيهام التضاد .
والنَّمارق : جمع نُمرقة بضم النون وسكون ميم بعدها راء مضمومة وهي الوسادة التي يَتكىء عليها الجالس والمضطجعُ .