تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 28 من سورة الواقعة
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28(وأتبع هذا الإِبهام بما يبين بعضه بقوله : { في سدر مخضود } الخ .
والسدر : شجر من شجر العِضاه ذو ورق عريض مدوَّر وهو صنفان : عُبْرِي بضم العين وسكون الموحدة وياء نسب نسبة إلى العِبر بكسر العين وسكون الموحدة على غير قياس وهو عِبر النهي ، أي ضفته ، له شوك ضعيف في غصونه لا يضير .
والصنف الثاني الضَّالُ ( بضاد ساقطة ولام مخففة ( وهو ذُو شوك . وأجود السدر الذي ينبت على الماء وهو يشبه شجر العُناب ، وورقه كورق العناب وورقه يجعل غسولاً ينظف به ، يخرج مع الماء رغوة كالصابون .
وثمر هذا الصنف هو النبق بفتح النون وكسر الموحدة وقاف يشبه ثمر العناب إلا أنه أصفر مُزّ ( بالزاي ( يفوح الفم ويفوح الثياب ويتفكه به ، وأما الضال وهو السدر البري الذي لا ينبت على الماء فلا يصلح ورقه للغسول وثمره عَفِصٌ لا يسوغ في الحلق ولا ينتفع به ويخبِط الرعاةُ ورقه للراعية ، وأجود ثمر السدر ثمر سدر هَجَر أشد نَبِق حلاوة وأطيبه رائحة .
ولما كان السدر من شجر البادية وكان محبوباً للعرب ولم يكونوا مستطيعين أن يجعلوا منه في جناتهم وحوائطهم لأنه لا يعيش إلا في البادية فلا ينبت في جناتهم خص بالذكر من بين شجر الجنة إغراباً به وبمحاسنه التي كان محروماً منها من لا يسكن البوادي وبوفرة ظله وتهدل أغصانه ونكهة ثمره .
ووصف بالمخضود ، أي المزال شوكه فقد كملت محاسنه بانتفاء ما فيه من أذًى .
والطلح : شجر من شجر العضاه واحدهُ طلحة ، وهو من شجر الحجاز ينبت في بطون الأودية ، شديد الطُّول ، غليظ الساق . من أصلب شجر العِضاه عُوداً ، وأغصانه طوال عظام شديدة الارتفاع في الجو ولها شوك كثير قليلةُ الورق شديدة الخُضرة كثيرة الظل من التفاف أغصانها ، وصمغها جيّد وشوكها أقل الشوك أذًى ، ولها نَور طيب الرائحة ، وتسمى هذه الشجرة أمّ غَيلان ، وتسمى في صفاقس غيلان وفي أحواز تونس تسمى مِسْكَ صَنادِق .
والمنضود : المتراصّ المتراكب بالأغصان ليست له سوق بارزة ، أو المنضد بالحمل ، أي النُوَّار فتكثر رائحته .
وعلى ظاهر هذا اللفظ يكون القول في البشارة لأصحاب اليمين بالطلح على نحو ما قرر في قوله : { في سدر مخضود } ويعتاض عن نعمة نكهة ثمر السدر بنعمة عَرْف نَوْر الطلح .
وفُسر الطلح بشجر الموز روي ذلك عن ابن عباس وابن كثير ، ونسب إلى علي بن أبي طالب .