تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 42 من سورة الطور
أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42(
انتقال من نقض أقوالهم وإبطال مزاعمهم إلى إبطال نواياهم وعزائمهم من التبيت للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ولدعوة الإِسلام من الإِضرار والإِخفاق وفي هذا كشف لسرائرهم وتنبيه للمؤمنين للحذر من كيدهم .
وحذف متعلِّق { كيداً } ليعم كل ما يستطيعون أن يكيدوه فكانت هذه الجملة بمنزلة التتميم لنقض غزلهم والتّذييل بما يعم كل عزم يجري في الأغراض التي جرت فيها مقالاتهم .
والكيد والمكر متقاربان وكلاهما إظهار إخفاء الضر بوجوه الإِخفاء تغريراً بالمقصودِ له الضُرُّ .
وعدل عن الإِضمار إلى الإِظهار في قوله : { فالذين كفروا هم المكيدون } وكان مقتضى الظاهر أن يقال فهم المكيدون لِما تؤذن به الصلة من وجه حلول الكيد بهم لأنهم كفروا بالله ، فالله يدافع عن رسوله صلى الله عليه وسلم وعن المؤمنين وعن دينه كيدهم ويوقعهم فيما نووا إيقاعهم فيه .
وضمير الفصل أفاد القصر ، أي الذين كفروا المكيدون دون من أرادوا الكيد به .
وإطلاق اسم الكيد على ما يجازيهم الله به عن كيدهم من نقض غزلهم إطلاقٌ على وجه المشاكلة بتشبيه إمهال الله إياهم في نعمة إلى أن يقع بهم العذاب بفعل الكائد لغيره ، وهذا تهديد صريح لهم ، وقد تقدم قوله : { ويمكرون ويمكر اللَّه واللَّه خير الماكرين } في سورة الأنفال ( 30 ( . ومن مظاهر هذا التهديد ما حلّ بهم يوم بدر على غير ترقب منهم .
والقول في تفريع { فالذين كفروا هم المكيدون } كالقول في تفريع قوله : { فهم من مغرم مثقلون } [ الطور : 40 ] .