تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 53 من سورة الذاريات
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53(
الاستفهام مستعمل في التعجيب من تواطئهم على هذا القول على طريقة التشبيه البليغ ، أي كأنهم أوصى بعضهم بعضاً بأن يقولوه . فالاستفهام هنا كناية عن لاَزمه وهو التعجيب لأن شأن الأمر العجيب أن يسأل عنه .
والجملة استئناف بياني لأن تماثل هؤلاء الأمم في مقالة التكذيب يثير سؤال سائل عن مَنْشَإِ هذا التشابه .
وضمير { تواصوا } عائد إلى ما سبق من الموصول ومن الضمير الذي أضيف إليه قبلهم ، أي أوصى بعضهم بعضاً حتى بلغت الوصية إلى القوم الحاضرين . «
وضمير { به } عائد على المصدر المأخوذ من فعل { إلا قالوا ساحر أو مجنون } [ الذاريات : 52 ] ، أي أتواصوا بهذا القول .
وفعل الوصية يتعدى إلى الموصَى عليه بالباء كقوله تعالى : { وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } [ العصر : 3 ] .
و { بل } إضراب عن مُفاد الاستفهام من التشبيه أو عن التواصي به ، ببيان سبب التواطُؤ على هذا القول فإنه إذا ظهر السبب بطل العجب . أي ما هو بتواصصٍ ولكنه تماثل في منشإ ذلك القول ، أي سبب تماثل المقالة تماثل التفكير والدواعي للمقالة ، إذ جميعُهم قوم طاغون ، وأن طغيانهم وكبرياءهم يصدهم عن اتباع رسول يحسبون أنفسهم أعظم منه ، وإذ لا يجدون وصمة يصمونه بها اختلقوا لتنقيصه عِلَلاً لا تدخل تحت الضبط وهي ادعاء أنه مجنون أو أنه ساحر ، فاستووا في ذلك بعلة استوائهم في أسبابه ومعاذيره .
فضمير { هم قوم طاعون } عائد إلى ما عاد إليه ضمير { أتواصوا } .
وفي إقحام كلمة { قوم } إيذان بأن الطغيان راسخ في نفوسهم بحيث يكون من مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى : { لآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة ( 164 ( .