تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 42 من سورة ق
يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42(وقوله : { يوم يسمعون الصيحة } بدل مطابق من { يوم يناد المنادي } وقوله : { ذلك يوم الخروج } خبر المبتدأ .
ولك أن تجعل { يوم يناد المنادي } مفعولاً فيه ل { استمع } وإعراب ما بعده ظاهر .
ولك أن تجعل { يوم يناد المنادي } ظرفاً في موقع الخبر المقدم وتجعل المبتدأ قوله : { ذلك يوم الخروج } ويكون تقدير النظم : واستمعْ ذلكَ يومُ الخروج يوم ينادي المنادي الخ ، ويكون اسمُ الإشارة لمجرد التنبيه ، أو راجعاً إلى يوم ينادي المنادي ، فإنه متقدم عليه في اللفظ وإن كان خبراً عنه في المعنى واسم الإشارة يكتفي بالتقدم اللفظي بل يكتفي بمجرد الخطور في الذهن . وفي «تفسير النسَفِي» أن يعقوب أي الحضرمي أحد أصحاب القراءات العشر المتواترة وقف على قوله { واستمع } .
وتعريف { المنادي } تعريف الجنس ، أي يوم ينادي منادٍ ، أي من الملائكة وهو الملك الذي ينفخ النفخة الثانية فتتكوَّن الأجساد وتحل فيها أرواح الناس للحشر قال تعالى : { ثم نُفِخَ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] .
وتنوين { مكان قريب } للنوعية إذ لا يتعلق الغرض بتعيينه ، ووصفه ب { قريب } للإشارة إلى سرعة حضور المنادين ، وهو الذي فسرته جملة { يوم يسمعون الصيحة بالحق } لأن المعروف أن النداء من مكان قريب لا يخفى على السامعين بخلاف النداء من كان بعيد .
و { بالحق } بمعنى : بالصدق وهو هنا الحشر ، وصف { بالحق } إبطالاً لزعم المشركين أنه اختلاق .
والخروج : مغادرة الدار أو البلدِ ، وأطلق الخروج على التجمع في المحشر لأن الحَيَّ إذا نَزَحُوا عن أرضهم قيل : خرجوا ، يقال : خرجوا بقَضِّهم وقضيضهم .
واسم الإشارة جيء به لتهويل المشار إليه وهو { يوم يسمعون الصيحة بالحق } فأريد كمال العناية بتمييزه لاختصاصه بهذا الخبر العظيم . ومقتضى الظاهر أن يقال : هو يوم الخروج .
و { يوم الخروج } علم بالغلبة على يوم البعث ، أي الخروج من الأرض .
وجملة { إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير } تذييل ، أي هذا الإحياء بعد أن أمَتْنَاهُم هو من شؤوننا بأنا نحييهم ونحيي غيرهم ونميتهم ونميت غيرهم .