تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 41 من سورة القصص
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41)
عطف على جملة { واستكبر هو وجنوده } [ القصص : 39 ] أي استكبروا فكانوا ينصرون الضلال ويبثونه ، أي جعلناه وجنوده أيمة للضلالة المفضية إلى النار فكأنهم يدعون إلى النار فكل يدعو بما تصل إليه يده؛ فدعوة فرعون أمره ، ودعوة كهنته باختراع قواعد الضلالة وأوهامها ، ودعوة جنوده بتنفيذ ذلك والانتصار له .
والأيمة : جمع إمام وهو من يقتدى به في عمل من خير أو شر قال تعالى { وجعلناهم أيمة يهدون بأمرنا } [ الأنبياء : 73 ] . ومعنى جعلهم أيمة يدعون إلى النار : خلق نفوسهم منصرفة إلى الشر ومعرضة عن الإصغاء للرشد وكان وجودهم بين ناس ذلك شأنهم . فالجعل جعل تكويني بجعل أسباب ذلك ، والله بعث إليهم الرسل لإرشادهم فلم ينفع ذلك فلذلك أصروا على الكفر .
والدعاء إلى النار هو الدعاء إلى العمل الذي يوقع في النار فهي دعوة إلى النار بالمآل . وإذا كانوا يدعون إلى النار فهم من أهل النار بالأحرى فلذلك قال { ويوم القيامة لا ينصرون } أي لا يجدون من ينصرهم فيدفع عنهم عذاب النار . ومناسبة عطف { ويوم القيامة لا ينصرون } هي أن الدعاء يقتضي جنداً وأتباعاً يعتزون بهم في الدنيا ولكنهم لا يجدون عنهم يوم القيامة { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا } [ البقرة : 167 ] .