تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 76 من سورة الأنبياء
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) لما ذكر أشهر الرسل بمناسبات أعقب بذكر أول الرسل .
وعطف { ونوحاً } على { لوطاً } [ الأنبياء : 74 ] ، أي آتينا نوحاً حُكماً وعلماً ، فحذف المفعول الثاني ل { آتينا } [ الأنبياء : 74 ] لدلالة ما قبله عليه ، أي آتيناه النبوءة حين نادى ، أي نادانا .
ومعنى { نادى } دعا ربه أن ينصره على المكذبين من قومه بدليل قوله { فاستجبنا له ونجيناه وأهله من الكرب العظيم }.
وبناء { قبلُ } على الضمّ يدل على مضاف إليه مقدر ، أي من قبل هؤلاء ، أي قبل الأنبياء المذكورين . وفائدة ذكر هذه القبلية التنبيه على أن نصر الله أولياءه سنتُه المرادة له تعريضاً بالتهديد للمشركين المعاندين ليتذكروا أنه لم تشذ عن نصر الله رسلَه شاذّة ولا فاذّة .
وأهل نوح : أهل بيْتِه عدا أحد بنيه الذي كفر به .
والكرب العظيم : هو الطوفان . والكَرب : شدّة حزن النفس بسبب خوف أو حزن .
ووجه كون الطوفان كرباً عظيماً أنه يهول الناس عند ابتدائه وعند مَدّه ولا يزال لاحقاً بمواقع هروبهم حتى يعمهم فيبقَوا زمناً يذوقون آلام الخوف فالغرق وهم يغرقون ويَطفَوْن حتى يموتوا بانحباس التنفس؛ وفي ذلك كله كرب متكرر ، فلذلك وصف بالعظيم .