تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 37 من سورة طه
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) جملة ولقد مَنَنَّا عليْكَوَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أخرى * إِذْ أَوْحَيْنَآ إلى أُمِّكَ مَا يوحى * أَنِ } معطوفة على جملة { قد أوتيتَ سُؤْلك } [ طه : 36 ] لأنّ جملة { قد أوتيت سؤلك تتضمن منّة عليه ، فعطف عليها تذكير بمنّة عليه أخرى في وقت ازدياده ليعلم أنّه لما كان بمحل العناية من ربّه من أوّل أوقات وجوده فابتدأه بعنايته قبل سؤاله فعنايته به بعدَ سؤاله أحْرى ، ولأن تلك العناية الأولى تمهيد لما أراد الله به من الاصطفاء والرسالة ، فالكرم يقتضي أن الابتداء بالإحسان يستدعي الاستمرار عليه . فهذا طمأنة لفؤاده وشرح لصدره ليعلم أنه سيكون مؤيّداً في سائر أحواله المستقبلة ، كقوله تعالى لمحمد : { ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالاً فهدى ووجدك عائلاً فأغنى } [ الضحى : 5 8 ].
وتأكيد الخبر بلام القسم و ( قد ) لتحقيق الخبر ، لأنّ موسى عليه السلام قد علم ذلك ، فتحقيق الخبر له تحقيق للازمه المراد منه ، وهو أن عناية الله به دائمة لا تنقطع عنه زيادة في تطمين خاطره بعد قوله تعالى : { قد أوتيت سؤلك } [ طه : 36 ].
والمَرّة : فَعلة من المرور ، غلبت على معنى الفَعلة الواحدة من عمل معيّن يعرف بالإضافة أو بدلالة المقام . وقد تقدمت عند قوله تعالى : { وهم بدأوكم أول مرة } في سورة براءة ( 13 ). وانتصاب مَرَّةً } هنا على المفعولية المطلقة لفعل { مَنَنَّا } ، أي مرّة من المنّ . ووصفها بأخرى هنا باعتبار أنها غير هذه المنّة .
و { إذْ } ظرف للمنّة .