تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 101 من سورة البقرة
وقوله : { ولما جاءهم رسول } إلخ معطوف على قوله : { أو كلما } عطف القصة على القصة لغرابة هاته الشؤون . والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم لقوله : { مصدق لما معهم } . والنبذ طرح الشيء من اليد فهو يقتضي سبق الأخذ . وكتاب الله ظاهر في أنه المراد به القرآن لأنه الأتم في نسبته إلى الله . فالنبذ على هذا مراد به تركه بعد سماعه فنزل السماع منزلة الأخذ ونزل الكفر به بعد سماعه منزلة النبذ . وقيل : المراد بكتاب الله التوراة وأشار في «الكشاف» إلى ترجيحه بالتقديم لأن النبذ يقتضي سابقة أخذ المنبوذ وهم لم يتمسكوا بالقرآن ، والأصل في إطلاق اللفظ المفرد أنه حقيقة لفظاً ومعنى وقيل المعرفة إذا أعيدت معرفة كانت عين الأولى وفيه نظر لأن ذلك في إعادة الاسم المعرف باللام ، أو تجعل النبذ تمثيلاً لحال قلة اكتراث المعرض بالشيء فليس مراداً به معناه .
وقوله : { وراء ظهورهم } تمثيل للإعراض لأن من أعرض عن شيء تجاوزه فخلفه وراء ظهره وإضافة الوراء إلى الظهر لتأكيد بُعد المتروك بحيث لا يلقاه بعد ذلك فجعل للظهر وراء وإن كان هو هنا بمعنى الوراء . فالإضافة كالبيانية وبهذا يجاب عما نقله ابن عرفة عن الفقيه أبي العباس أحمد بن عبلون أنه كان يقول : مقتضى هذا أنهم طرحوا كتاب الله أمامهم لأن الذي وراء الظهر هو الوجه وكما أن الظهر خلف للوجه كذلك الوجه وراء للظهر قال ابن عرفة : وأجيب بأن المراد أي بذكر الظهر تأكيد لمعنى وراء كقولهم من وراءِ وراء .
وقوله : { كأنهم لا يعلمون } تسجيل عليهم بأنهم عالمون بأن القرآن كتاب الله أو كأنهم لا يعلمون التوراة وما فيها من البشارة ببعثة الرسول من ولد إسماعيل .