تفسير ابن عاشور
تفسير الآية رقم 16 من سورة النحل
والعلامات : الأمارات التي ألهم الله الناس أن يضعوها أو يتعارفوها لتكون دلالة على المسافات والمسالك المأمونة في البرّ والبحر فتتبعها السابلة .
وجملة { وبالنجم هم يهتدون } معطوفة على جملة { وألقى في الأرض رواسي } ، لأنها في معنى : وهداكم بالنجم فأنتم تهتدون به . وهذه منّة بالاهتداء في الليل لأن السبيل والعلامات إنما تهدي في النهار ، وقد يضطرّ السالك إلى السير ليلاً؛ فمواقع النجوم علامات لاهتداء الناس السائرين ليلاً تعرف بها السموات ، وأخصّ من يهتدي بها البحّارة لأنهم لا يستطيعون الإرساء في كل ليلة فهم مضطرّون إلى السير ليلاً ، وهي هداية عظيمة في وقت ارتباك الطريق على السائر ، ولذلك قدم المتعلق في قوله تعالى : { وبالنجم } تقديماً يفيد الاهتمام ، وكذلك بالمسند الفعلي في قوله تعالى : { هم يهتدون }.
وعدل عن الخطاب إلى الغيبة التفاتاً يومىء إلى فريق خاص وهم السيّارة والملاّحون فإن هدايتهم بهذه النجوم لا غير .
والتعريف في «النجم» تعريف الجنس . والمقصود منه النجوم التي تعارفها الناس للاهتداء بها مثل القطب . وتقدم في قوله تعالى : { وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها } في [ سورة الأنعام : 97 ].
وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله تعالى { هم يهتدون } لمجرّد تقوي الحكم ، إذ لا يسمح المقام بقصد القصر وإن تكلّفه في «الكشاف» .