تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 22 من سورة الأنفال
القول في تأويل قوله : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (22)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: إنّ شر ما دبَّ على الأرض من خلق الله عند الله، (39) الذين يصمون عن الحق لئلا يستمعوه، (40) فيعتبروا به ويتعظوا به، وينكُصون عنه إن نطقوا به, (41) الذين لا يعقلون عن الله أمره ونهيه, فيستعملوا بهما أبدانهم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
15856- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدواب عند الله)، قال: " الدواب "، الخلق.
15857- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج, عن عكرمة قال: وكانوا يقولون: " إنا صم بكم عما يدعو إليه محمد, لا نسمعه منه, ولا نجيبه به بتصديق!" فقتلوا جميعًا بأحد, وكانوا أصحاب اللواء.
15858- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " الصم البكم الذين لا يعقلون ", قال: الذين لا يتّبعون الحق.
15859- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (إن شر الدوابّ عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، وليس بالأصم في الدنيا ولا بالأبكم, ولكن صمّ القلوب وبُكمها وعُميها! وقرأ: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [سورة الحج: 46] .
* * *
واختلف فيمن عني بهذه الآية.
فقال بعضهم: عُني بها نفرٌ من المشركين.
* ذكر من قال ذلك:
15860- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال، قال ابن عباس: " الصم البكم الذين لا يعقلون "، نفرٌ من بني عبد الدار, لا يتبعون الحق.
15861 - . . . . قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله, عن ورقاء, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قوله: (الصم البكم الذين لا يعقلون) ، قال: لا يتبعون الحق= قال، قال ابن عباس: هم نَفرٌ من بني عبد الدار.
15861 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد, نحوه.
* * *
وقال آخرون: عُني بها المنافقون.
* ذكر من قال ذلك:
15862- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة, عن ابن إسحاق: (إن شرّ الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون)، [أي المنافقون الذين نهيتكم أن تكونوا مثلهم، بُكمٌ عن الخير، صم عن الحق، لا يعقلون]، لا يعرفون ما عليهم في ذلك من النقمة والتِّباعة. (42)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب، قولُ من قال بقول ابن عباس: وأنه عُني بهذه الآية مشركو قريش, لأنها في سياق الخبر عنهم.
------------------
الهوامش :
(39) انظر تفسير " دابة " فيما سلف 3 : 275 11 : 344 .
(40) انظر تفسير " الصمم " 1 : 328 - 331 3 : 315 10 : 478 11 : 350 .
(41) انظر تفسير " البكم " فيما سلف 1 : 328 - 331 3 : 315 11 : 350 .
(42) الأثر : 15862 -سيرة ابن هشام 2 : 324 ، وهو تابع الأثر السالف رقم : 15853 . والذي بين القوسين سقط من ناسخ المخطوطة بلا شك ، لأن إسقاطه يجعل الخبر غير مطابق للترجمة ، لأنه عندئذ لا ذكر فيه للمنافقين . هذا فضلا عن أن أبا جعفر ينقل تفسير ابن إسحاق في سيرته بنصه في كل ما مضى ، فلا معنى لاختصاره هنا اختصارًا مخلا ، فثبت أن ذلك من الناسخ فزدته من السيرة .
أما الجملة التي أثبتها الناسخ ، وهي الخارجة عن القوسين . فكانت في المخطوطة : " ... من النعمة والساعة " ، الأولى خطأ ، وصوابها ما أثبت .
فجاء الناشر ، ولم يفهم معنى الكلام ، فجعله هكذا : " ... من النعمة والسعة " ، فصار خلطًا لا خير فيه ، ولا معنى له . ورددته إلى الصواب والحمد لله .
و " التباعة " ، ( بكسر التاء ) ، مثل " التبعة " ( بفتح التاء وكسر الباء ) : ما فيه إثم يتبع به صاحبه . يقال : " ما عليه من الله في هذا تبعة ولا تباعة " ، أي : مطالبة يطلب بإثمها .