تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 18 من سورة الإنسان
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ) رقيقة يشربها المقربون صرفا ، وتمزج لسائل أهل الجنة . وقوله : ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) يقول تعالى ذكره : عينا في الجنة تسمى سلسبيلا . قيل : عني بقوله سلسبيلا سلسة منقادا ماؤها . [ ص: 108 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) عينا سلسة مستقيدا ماؤها .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( تسمى سلسبيلا ) قال : سلسة يصرفونها حيث شاءوا .
وقال آخرون : عني بذلك أنها شديدة الجرية .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) قال : حديدة الجرية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال : ثنا أبو أسامة ، عن شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : سلسة الجرية .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( عينا فيها تسمى سلسبيلا ) حديدة الجرية .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
واختلف أهل العربية في معنى السلسبيل وفي إعرابه ، فقال بعض نحويي البصرة ، قال بعضهم : إن سلسبيل صفة للعين بالتسلسل . وقال بعضهم : إنما أراد عينا تسمى سلسبيلا أي : تسمى من طيبها السلسبيل أي : توصف للناس كما تقول : الأعوجى والأرحبى والمهري من الإبل ، وكما تنسب الخيل إذا وصفت إلى الخيل المعروفة المنسوبة كذلك تنسب العين إلى أنها تسمى ، لأن القرآن نزل على كلام العرب ، قال : وأنشدني يونس :
صفراء من نبع يسمى سهمها من طول ما صرع الصيود الصيب
[ ص: 109 ]
فرفع الصيب لأنه لم يرد أن يسمى بالصيب ، إنما الصيب من صفة الاسم والسهم ، وقوله : " يسمى سهمها " أي يذكر سهمها . قال : وقال بعضهم : لا بل هو اسم العين ، وهو معرفة ، ولكنه لما كان رأس آية ، وكان مفتوحا ، زيدت فيه الألف ، كما قال : ( كانت قواريرا ) . وقال بعض نحويي الكوفة : السلسبيل : نعت أراد به سلس في الحلق ، فلذلك حري أن تسمى بسلاستها .
وقال آخر منهم : ذكروا أن السلسبيل اسم للعين ، وذكروا أنه صفة للماء لسلسه وعذوبته; قال : ونرى أنه لو كان اسما للعين لكان ترك الإجراء فيه أكثر ، ولم نر أحدا ترك إجراءها وهو جائز في العربية ، لأن العرب تجري ما لا يجرى في الشعر ، كما قال متمم بن نويرة :
فما وجد أظآر ثلاث روائم رأين مخرا من حوار ومصرعا
فأجرى روائم ، وهي مما لا يجرى .
والصواب من القول في ذلك عندي أن قوله : ( تسمى سلسبيلا ) صفة للعين ، وصفت بالسلاسة في الحلق ، وفي حال الجري ، وانقيادها لأهل الجنة يصرفونها حيث شاءوا ، كما قال مجاهد وقتادة; وإنما عني بقوله ( تسمى ) : توصف . [ ص: 110 ]
وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لإجماع أهل التأويل على أن قوله : ( سلسبيلا ) صفة لا اسم .