تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 51 من سورة الأعراف
القول في تأويل قوله : الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51)
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله عن قِيل أهل الجنة للكافرين.
يقول تعالى ذكره: فأجاب أهلُ الجنة أهلَ النار: " إن الله حرمهما على الكافرين " الذين كفروا بالله ورسله، الذين اتخذوا دينهم الذي أمرهم الله به لهوًا ولعبا ، يقول: سخرية ولعبًا. (48)
وروي عن ابن عباس في ذلك ما:-
14754 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس في قوله: " الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا " ، الآية، قال: وذلك أنهم كانوا إذا دُعوا إلى الإيمان سخِروا ممن دعاهم إليه وهزؤوا به، اغترارًا بالله.
* * *
=" وغرتهم الحياة الدنيا " ، يقول: وخدعهم عاجلُ ما هم فيه من العيش والخفض والدَّعة، عن الأخذ بنصيبهم من الآخرة، حتى أتتهم المنية (49) = يقول الله جل ثناؤه : " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا "، أي ففي هذا اليوم ، وذلك يوم القيامة =" ننساهم " ، يقول: نتركهم في العذاب المبين جياعًا عطاشًا بغير طعام ولا شراب، كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا ، ورفضوا الاستعداد له بإتعاب أبدانهم في طاعة الله.
* * *
وقد بينا معنى قوله: " ننساهم " ، بشواهده فيما مضى، بما أغنى عن إعادته. (50)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
14755 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن جابر، عن مجاهد: " فاليوم ننساهم "، قال: نسوا في العذاب.
14756 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: " فاليوم ننساهم " ، قال: نتركهم كما تركوا لقاء يومهم هذا.
14757 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " ننساهم " ، قال: نتركهم في النار.
14758 - حدثني المثتي قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، قال: نتركهم من الرحمة، كما تركوا أن يعملوا للقاء يومهم هذا.
14759 - حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، الآية ، يقول: نسيهم الله من الخير، ولم ينسهم من الشرّ.
14760 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهدًا في قوله: " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " ، قال: نؤخرهم في النار.
* * *
وأما قوله: " وما كانوا بآياتنا يجحدون " ، فإن معناه: " اليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا "، وكما كانوا بآياتنا يجحدون.
* * *
فـ" ما " التي في قوله: " وما كانوا " معطوفة على " ما " التي في قوله: " كما نسوا ".
* * *
قال أبو جعفر: وتأويل الكلام: فاليوم نتركهم في العذاب، كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله يجحدون = وهي حججه التي احتج بها عليهم، من الأنبياء والرسل والكتب وغير ذلك (51)
=" يجحدون "، يكذبون ولا يصدقون بشيء من ذلك. (52)
-------------------
الهوامش :
(48) انظر تفسير"اللهو" فيما سلف 11: 441 .
= وتفسير"اللعب" فيما سلف 11: 441 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك .
(49) انظر تفسير"الغرور" فيما سلف ص : 351 ، تعليق : 1 ، والمراجع هناك .
(50) انظر تفسير"النسيان" فيما سلف 11: 357 ، تعليق : 3 ، والمراجع هناك.
(51) انظر تفسير"الآية" فيما سلف من فهارس اللغة ( أيي ).
(52) انظر تفسير"الجحد" فيما سلف 11: 334.