تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 24 من سورة الأعراف
القول في تأويل قوله : قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذريته، وآدم وولده، والحية.
يقول تعالى ذكره لآدم وحواء وإبليس والحية: اهبطوا من السماء إلى الأرض، بعضكم لبعض عدوّ، كما:-
14413- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن طلحة, عن أسباط, عن السدي: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: فلعنَ الحية, وقطع قوائمها, وتركها تمشي على بطنها, وجعل رزقها من التراب, وأهبطوا إلى الأرض: آدم، وحواء، وإبليس، والحية. (5)
14414- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن أبي عوانة, عن إسماعيل بن سالم, عن أبي صالح: (اهبطوا بعضكم لبعض عدو)، قال: آدم، وحواء، والحية. (6)
* * *
وقوله: (ولكم في الأرض مستقر)، (7) يقول: ولكم، يا آدم وحواء، وإبليس والحية = في الأرض قرارٌ تستقرونه، وفراش تمتهدونه، (8) كما:-
14415- حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا أبو جعفر, عن الربيع, عن أبي العالية في قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: هو قوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا ، [سورة البقرة: 22]. (9)
* * *
وروي عن ابن عباس في ذلك، ما:-
14416- حدثت عن عبيد الله, عن إسرائيل, عن السدي, عمن حدثه, عن ابن عباس قوله: (ولكم في الأرض مستقر)، قال: القبور. (10)
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبرَ آدم وحواءَ وإبليس والحية، إذ أهبطوا إلى الأرض: أنهم عدوٌّ بعضهم لبعض, وأن لهم فيها مستقرًّا يستقرون فيه, ولم يخصصها بأن لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم, بل عمَّ الخبرَ عنها بأن لهم فيها مستقرًّا, فذلك على عمومه، كما عمّ خبرُ الله, ولهم فيها مستقر في حياتهم على ظهرها، وبعد وفاتهم في بطنها, كما قال جل ثناؤه: أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ، [سورة المرسلات: 25-26].
* * *
وأما قوله: (ومتاع إلى حين)، فإنه يقول جل ثناؤه: " ولكم فيها متاع "، تستمتعون به إلى انقطاع الدنيا, (11) وذلك هو الحين الذي ذكره، كما:-
14417- حدثت عن عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل, عن السدي, عمن حدثه, عن ابن عباس: (ومتاع إلى حين)، قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدنيا.
* * *
و " الحين " نفسه: الوقت, غير أنه مجهول القدر (12) ، يدل على ذلك قول الشاعر: (13)
وَمَـا مِرَاحُـكَ بَعْـدَ الْحِـلْمِ وَالـدِّينِ
وَقَـدْ عَـلاكَ مَشِـيبٌ حِـينَ لا حِـينِ (14)
أي وقت لا وقت.
-------------------
الهوامش :
(5) الأثر : 14413 - (( عمرو بن طلحة )) ، هو (( عمرو بن حماد بن طلحة القناد )) ، منسوبًا إلى جده . وقد مضى مئات من المرات في هذا الإسناد وغيره ، (( عمرو بن حماد ، عن أسباط )) . وقد سلف برقم : 755 .
(6) الأثر : 14414 - مضى برقم : 754 .
(7) انظر تفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف 1 : 535 - 541 .
(8) انظر تفسير (( مستقر )) فيما سلف 1 : 539 /11 : 434 ، 562 - 572 .
(9) الأثر : 14415 - مضى برقم : 765 . وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا : (( هو الذي جعل ... )) ، بزيادة (( هو )) ، وهو سبق قلم من الناسخ .
(10) الأثر : 14416 - انظر ما سلف رقم : 767 ، بغير هذا الإسناد .
(11) انظر تفسير (( المتاع )) فيما سلف 1 : 539 - 541 /11 : 71 ، تعليق : 2 . والمراجع هناك .
(12) انظر تفسير (( الحين )) فيما سلف 1 : 540 ، ولم يذكر هذا هناك في تفسير نظيرة هذه الآية .
(13) هو جرير .
(14) ديوانه : 586 ، وسيبويه 1 : 358 ، ومجاز القرآن لأبي عبيدة 1 : 212 ، والخزانة 2 : 94 ، وغيرها . مطلع قصيدة في هجاء الفرزدق ، ورواية الديوان ، وسيبويه :
* مـا بـالُ جَهْلِكَ بَعْدَ الْحِلْمِ والدِّينِ *
وبعده :
لِلْغَانِيَــاتِ وِصَــالٌ لَسْـتُ قَاطِعَـهُ
عَـلَى مَوَعـدِهَ مِـنْ خُـلْفٍ وَتَلْـوِينِ
إِنَّـي لأَرْهَـبُ تَصْـدِيقَ الْوُشَـاةِ بِنَـا
أَوْ أَنْ يَقُـولَ غَـوِىٌّ للنَّـوَى : بِينِـي
و (( المراح )) ( بكسر الميم ) : المرح والاختيال والتبختر ، وذلك من جنون الشاباب واعتداده بنفسه . وكأن رواية الديوان هي الجودي .
وأنشده سيبويه شاهدًا على إلغاء (( لا )) وإضافة (( حين )) الأولى إلى (( حين )) الثانية ، قال : فإنما هو حين حين ، و (( لا )) بمنزلة (( ما )) إذا ألغيت .
وهذا الذي ذكر أبو جعفر هو أبي عبيدة في مجاز القرآن 1 : 212 ، وجاء بالبيت كما رواه هنا ، وان كان في مطبوعة مجاز القرآن : (( وما مزاحك )) بالزاي ، وهو خطأ مطبعي فيما أظن .