تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 146 من سورة الأنعام
القول في تأويل قوله : وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وحرّمنا على اليهود (25) =" كل ذي ظفر ", وهو من البهائم والطير ما لم يكن مشقُوق الأصابع، كالإبل والنَّعام والإوز والبط .
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
14092- حدثني المثنى, وعلي بن داود قالا حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، وهو البعير والنعامة .
14093- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، قال: البعير والنعامة ونحو ذلك من الدوابّ .
4094- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن عطاء, عن سعيد: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، قال: هو الذي ليس بمنفرج الأصابع .
14095- حدثني علي بن الحسين الأزدي قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن شريك, عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، قال: كل شيء متفرق الأصابع, ومنه الديك . (26)
14096- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: (كل ذي ظفر) ، النعامة والبعير .
14097- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, مثله .
14098- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، فكان يقال: البعير والنعامة وأشباهه من الطير والحيتان .
14098- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر, عن قتادة: (كل ذي ظفر)، قال: الإبل والنعام, ظفر يد البعير ورجله, والنعام أيضًا كذلك, وحرم عليهم أيضًا من الطير البط وشبهه, وكل شيء ليس بمشقوق الأصابع .
14099- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: " أما كل ذي ظفر "، فالإبل والنعام .
14100- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا شيخ, عن مجاهد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا, قال قلت: " ما شقًّا شقًّا "؟ قال: كل ما لم تفرج قوائمه لم يأكله اليهود, البعيرُ والنعامة. والدجاج والعصافير تأكلها اليهود، لأنها قد فُرِجت .
14101- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج, عن مجاهد: (كل ذي ظفر)، قال: النعامة والبعير، شقًّا شقًّا. قلت للقاسم بن أبي بزة وحدثنيه: ما " شقًّا شقًّا "؟ قال: كل شيء لم يفرج من قوائم البهائم. قال: وما انفرج أكلته اليهود. قال: انفرجت قوائم الدجاج والعصافير, فيهود تأكلها . قال: ولم تنفرج قائمة البعير، خفّه، ولا خف النعامة، ولا قائمة الوَزِّينة, (27) فلا تأكل اليهود الإبل ولا النعام ولا الوزِّين، ولا كل شيء لم تنفرج قائمته, وكذلك لا تأكل حمار وحش .
* * *
وكان ابن زيد يقول في ذلك بما:-
14102- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)، الإبل قطْ . (28)
* * *
قال أبو جعفر: وأولى القولين في ذلك بالصواب, القول الذي ذكرنا عن ابن عباس ومن قال بمثل مقالته؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه حرم على اليهود كل ذي ظفر, فغير جائز إخراج شيء من عموم هذا الخبر إلا ما أجمع أهل العلم أنه خارج منه . وإذا كان ذلك كذلك, وكان النعام وكل ما لم يكن من البهائم والطير مما له ظفر غير منفرج الأصابع داخلا في ظاهر التنـزيل, وجب أن يحكم له بأنه داخل في الخبر, إذ لم يأت بأن بعض ذلك غير داخلٍ في الآية، خبرٌ عن الله ولا عن رسوله, وكانت الأمة أكثرها مجمع على أنه فيه داخل .
* * *
القول في تأويل قوله : وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في" الشحوم " التي أخبر الله تعالى ذكره: أنه حرمها على اليهود من البقر والغنم.
فقال بعضهم: هي شحوم الثُّروب خاصة . (29)
* ذكر من قال ذلك:
14103- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما)، الثروب . ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: قاتل الله اليهود، حرم الله عليهم الثروب ثم أكلوا أثمانها! (30)
* * *
وقال آخرون: بل ذلك كان كل شحم لم يكن مختلطًا بعظم ولا على عظم .
* ذكر من قال ذلك:
14104- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: (حرمنا عليهم شحومهما)، قال: إنما حرم عليهم الثرب, وكل شحم كان كذلك ليس في عظم .
* * *
وقال آخرون: بل ذلك شحم الثرب والكُلَى .
* ذكر من قال ذلك:
14105- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي قوله: (حرمنا عليهم شحومهما)، قال: الثرب وشحم الكليتين . وكانت اليهود تقول: إنما حرَّمه إسرائيل، فنحن نحرّمه .
14106- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (حرمنا عليهم شحومهما)، قال: إنما حرم عليهم الثروب والكليتين = هكذا هو في كتابي عن يونس, وأنا أحسب أنه: " الكُلَى ".
* * *
قال أبو جعفر: والصواب في ذلك من القول أن يقال: إن الله أخبر أنه كان حرم على اليهود من البقر والغنم شحومهما، إلا ما استثناه منها مما حملت ظهورهما أو الحَوَايا أو ما اختلط بعظم. فكل شحم سوى ما استثناه الله في كتابه من البقر والغنم, فإنه كان محرمًا عليهم .
وبنحو ذلك من القول تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذلك قوله: " قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها " . (31)
* * *
وأما قوله: (إلا ما حملت ظهورهما)، فإنه يعني: إلا شحوم الجَنْب وما علق بالظهر, فإنها لم تحرَّم عليهم .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
14107- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي, عن ابن عباس: (إلا ما حملت ظهورهما)، يعني: ما علق بالظهر من الشحوم .
14108- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: أمّا " ما حملت ظهورهما "، فالألْيات .
14108م - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن إسماعيل, عن أبي صالح قال: الألية، مما حملت ظهورهما .
* * *
القول في تأويل قوله : أَوِ الْحَوَايَا
قال أبو جعفر: و " الحوايا " جمع, واحدها " حاوِياء "، و " حاوية "، و " حَوِيَّة "، وهي ما تحوَّى من البطن فاجتمع واستدار, وهي بنات اللبن, وهي" المباعر ", وتسمى " المرابض ", وفيها الأمعاء . (32)
* * *
ومعنى الكلام: ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما، إلا ما حملت ظهورهما، أو ما حملت الحوايا = فـ" الحوايا "، رفع، عطفًا على " الظهور ", و " ما " التي بعد " إلا ", نصبٌ على الاستثناء من " الشحوم ". (33)
* * *
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
14109- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (أو الحوايا)، وهي المبعر .
14110- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قول الله: (أو الحوايا)، قال: المبعر .
14111- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: " الحوايا "، المبعر والمرْبَض .
14112- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة, عن شبل, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد: (أو الحوايا)، قال: المبعر .
14113- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان, عن سفيان, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا)، قال: المباعر .
14114- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم, عن شريك, عن عطاء, عن سعيد بن جبير: (أو الحوايا)، قال: المباعر .
14115- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (أو الحوايا)، قال: المبعر .
14116- حدثنا ابن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور, عن معمر, عن قتادة: (أو الحوايا)، قال: المبعر .
14117- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة والمحاربي, عن جويبر, عن الضحاك قال: المبعر .
14118- حدثت عن الحسين بن الفرج قال،سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: (أو الحوايا)، يعني: البطون غير الثروب .
14119- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس قوله: (أو الحوايا)، هو المبعر .
14120- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (أو الحوايا)، قال: المباعر .
* * *
وقال ابن زيد في ذلك ما:-
14121- حدثني به يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (أو الحوايا)، قال: " الحوايا "، المرابض التي تكون فيها الأمعاء، تكون وسطها, وهي" بنات اللبن ", وهي في كلام العرب تدعى " المرابض " .
* * *
القول في تأويل قوله : أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ومن البقر والغنم حرمنا على الذين هادوا شحومهما، سوى ما حملت ظهورهما, أو ما حملت حواياهما, فإنا أحللنا ذلك لهم, وإلا ما اختلط بعظم، فهو لهم أيضًا حلال .
* * *
فردّ قوله: (أو ما اختلط بعظم)، على قوله: إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا فـ" ما " التي في قوله: (أو ما اختلط بعظم)، في موضع نصب عطفًا على " ما " التي في قوله: إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا . (34)
* * *
وعنى بقوله: (أو ما اختلط بعظم)، شحم الألية والجنب، وما أشبه ذلك ، كما:-
14122- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج: (أو ما اختلط بعظم)، قال: شحم الألية بالعُصْعُص, (35) فهو حلال. وكل شيء في القوائم والجنب والرأس والعين قد اختلط بعظم, فهو حلال .
14123- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (أو ما اختلط بعظم)، مما كان من شحم على عظم .
* * *
القول في تأويل قوله : ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (146)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فهذا الذي حرمنا على الذين هادوا من الأنعام والطير, ذوات الأظافير غير المنفرجة, ومن البقر والغنم, ما حرمنا عليهم من شحومهما، الذي ذكرنا في هذه الآية, حرمناه عليهم عقوبة منّا لهم, وثوابًا على أعمالهم السيئة، وبغيهم على ربهم ، (36) كما:-
14124- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد, عن قتادة: (ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون)، إنما حرم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم .
14125- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ذلك جزيناهم ببغيهم )، فعلنا ذلك بهم ببغيهم.
* * *
وقوله: (وإنا لصادقون)، يقول: وإنا لصادقون في خبرنا هذا عن هؤلاء اليهود عما حرمنا عليهم من الشحوم ولحوم الأنعام والطير التي ذكرنا أنّا حرمنا عليهم, وفي غير ذلك من أخبارنا, وهم الكاذبون في زعمهم أن ذلك إنما حرمه إسرائيل على نفسه، وأنهم إنما حرموه لتحريم إسرائيل إياه على نفسه .
----------------------
الهوامش :
(25) انظر تفسير (( هاد )) فيما سلف 10 : 476 ، تعليق : 1 والمراجع هناك .
(26) قوله : (( كل شيء متفرق الأصابع ، ومنه الديك )) ، هكذا هو في المخطوطة ، والذي تبادر إلى ذهن من نشر التفسير قبل ، أن صوابه (( غير متفرق الأصابع )) ، ليطابق ما قبله وما بعده . ولكني وجدت ابن كثير في تفسيره 3 : 417 ، يقول : (( وفي رواية عنه : (( كل متفرق الأصابع ، ومنه الديك )) ، فلذلك رجحت صواب ما في المخطوطة والمطبوعة .
(27) (( الوزينة )) ( بفتح الواو ، وتشديد الزاي مكسورة ) ، هي الإوزة ، و جمعها (( الوزين )) ، مثلها في الوزن بغير هاء .
(28) في المطبوعة : (( فقط )) ، وأثبت ما في المخطوطة ، وهو محض صواب . يقال : (( ماله إلى عشرة قط )) ( بفتح وسكون الطاء ) و (( قط )) ( بتشديد الطاء وكسرها ) ، بمعنى : أي ، ولا يزيد على ذلك ، بمعنى (( حسب )) .
(29) (( الثروب )) جمع (( ثرب )) ( بفتح فسكون ) ، وهو شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء .
(30) الأثر : 14103 - الخبر الذي رواه قتادة مرسلا ، رواه البخاري بإسناده مرفوعًا ( الفتح 4 : 344 ، 345 ) . بنحوه ، ورواه الجماعة . انظر التعليق التالي .
(31) رواه الجماعة ، انظر ( الفتح 4 : 344 ، 345 ) ز و (( جمل الشحم )) : أذابه واستخرج ودكه . و (( الجميل )) الشحم المذاب .
(32) (( الربض )) ( بفتحتين ) و (( المربض )) ( بفتح الميم ، وفتح الباء أو كسرها ) ، و (( الربيض )) مجتمع الحوايا ، أو ما تحوى من مصارين البطن . و (( بنات اللبن )) : ما صغر من الأمعاء . وانظر الأثر التالي رقم : 14121 .
(33) انظر معاني القرآن للفراء 1 : 363 .
(34) انظر معاني القرآن 1 : 363 .
(35) (( العصعص )) ، وهو عظم عجب الذنب .
(36) انظر تفسير (( جزى )) فيما سلف من فهارس اللغة ( جزى ) .
= وتفسير (( البغي )) فيما سلف 2 : 342 / 4 : 281 / 6 : 276 .