تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 113 من سورة الأنعام
القول في تأويل قوله تعالى : وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا =(ولتصغى إليه)، يقول جل ثناؤه: يوحي بعض هؤلاء الشياطين إلى بعض المزيَّن من القول بالباطل, ليغرّوا به المؤمنين من أتباع الأنبياء فيفتنوهم عن دينهم=(ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول: ولتميل إليه قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة .
* * *
= وهو من " صغَوْت تَصْغَى وتصغُو "= والتنـزيل جاء بـ " تصغَى " =" صَغْوًا، وصُغُوًّا "، وبعض العرب يقول: " صغيت "، بالياء، حكي عن بعض بني أسد: " صَغيت إلى حديثه, فأنا أصغَى صُغِيًّا " بالياء, وذلك إذا ملت. يقال: " صَغْوِي معك "، إذا كان هواك معه وميلك, مثل قولهم: " ضِلَعِي معك ". ويقال: " أصغيت الإناء " إذا أملته ليجتمع ما فيه، ومنه قول الشاعر: (14)
تَـرَى السَّـفِيهَ بِـهِ عَـنْ كُـلِّ مُحْكَمَةٍ
زَيْـغٌ, وفيـهِ إلَـى التَّشْـبِيهِ إصْغَـاءُ (15)
ويقال للقمر إذا مال للغيوب: " صغا " و " أصغى " .
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13781- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن على بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (ولتصغى إليه أفئدة)، يقول: تزيغ إليه أفئدة .
13782- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج, عن ابن جريج قال، قال ابن عباس في قوله: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، قال: لتميل .
13783- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة)، يقول: تميل إليه قلوبُ الكفار، ويحبونه، ويرضون به .
13784- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة )، قال: " ولتصغى "، وليهووا ذلك وليرضوه. قال: يقول الرجل للمرأة: " صَغَيْت إليها "، هويتها .
* * *
القول في تأويل قوله : وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وليكتسبوا من الأعمال ما هم مكتسبون .
* * *
حكي عن العرب سماعًا منها: " خرج يقترف لأهله ", بمعنى يكسب لهم. ومنه قيل: " قارف فلان هذا الأمر "، إذا واقعه وعمله .
وكان بعضهم يقول: هو التهمة والادعاء. يقال للرجل: " أنت قَرَفْتَنِي"، أي اتهمتني. ويقال: " بئسما اقترفتَ لنفسك " ، وقال رؤبة:
أَعْيَــا اقْـتِرَافُ الكَـذِبِ المَقْـرُوفِ
تَقْــوَى التَّقِــي وعِفَّــةَ العَفِيـفِ (16)
* * *
وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: (وليقترفوا)، قال أهل التأويل .
* ذكر من قال ذلك:
13785- حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية, عن علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: (وليقترفوا ما هم مقترفون)، وليكتسبوا ما هم مكتسبون .
13786- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط, عن السدي: (وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال: ليعملوا ما هم عاملون .
13787- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: (وليقترفوا ما هم مقترفون)، قال: ليعملوا ما هم عاملون .
---------------------------
الهوامش :
(14) لم أعرف قائله .
(15) اللسان ( صغا ) ، وأيضًا في تفسير أبي حيان 4 : 205 ، والقرطبي 7 : 69 ، وفي اللسان والقرطبي : (( عن كل مكرمة )) ، وكأن الصواب ما تفسير ابن جرير ، وأبي حيان ، وكأن الشاعر يريد الذين يتبعون ما تشابه من آيات كتاب الله ، ويعرضون عن المحكم من آياته .
(16) ليسا في ديوانه ، وهما في مجاو القرآن 1 : 205 .