تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 74 من سورة النساء
القول في تأويل قوله : فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)
قال أبو جعفر: وهذا حضٌّ من الله المؤمنين على جهاد عدوه من أهل الكفر به على أحايينهم = غالبين كانوا أو مغلوبين، والتهاونِ بأقوال المنافقين في جهاد من جاهدوا من المشركين، (36) [وأن لهم في] جهادهم إياهم - مغلوبين كانوا أو غالبين - منـزلة من الله رفيعة. (37)
* * *
يقول الله لهم جل ثناؤه: " فليقاتل في سبيل الله "، يعني: في دين الله والدعاء إليه، والدخول فيما أمر به أهل الكفر به =" الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، يعني: الذين يبيعون حياتهم الدنيا بثواب الآخرة وما وعد الله أهل طاعته فيها. وبيعُهم إياها بها: إنفاقهم أموالهم في طلب رضى الله، لجهاد من أمر بجهاده من أعدائه وأعداء دينه، (38) وبَذْلهم مُهَجهم له في ذلك.
* * *
أخبر جل ثناؤه بما لهم في ذلك إذا فعلوه فقال: " ومن يقاتل في سبيل الله فيقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: ومن يقاتل - في طلب إقامة دين الله وإعلاء كلمة الله - أعداءَ الله =" فيقتل "، يقول: فيقتله أعداء الله، أو يغلبهم فيظفر بهم =" فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا "، يقول: فسوف نعطيه في الآخرة ثوابًا وأجرًا عظيمًا. وليس لما سمى جل ثناؤه " عظيمًا "، مقدار يعرِف مبلغَه عبادُ الله. (39)
* * *
وقد دللنا على أن الأغلب على معنى: " شريت "، في كلام العرب: " بعت "، بما أغنى [عن إعادته]، (40)
وقد:-
9942 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، يقول: يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة.
9943 - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: " يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "، فـ " يشري": يبيع، و " يشري": يأخذ = وإن الحمقى باعوا الآخرة بالدنيا.
* * *
---------------
(36) في المخطوطة والمطبوعة"والتهاون بأحوال المشركين" ، والذي يدل عليه سياق التفسير ، هو ما أثبت. ويعني بذلك ما يقوله المنافق عند هزيمة المسلمين: "قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدًا" ، وقوله إذا كانت الدولة والظفر للمسلمين: "يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا".
وقوله: "والتهاون" عطف على قوله: "وهذا حض من الله المؤمنين على جهاد عدوه".
(37) كان مكان ما بين القوسين في المخطوطة والمطبوعة: "وقع" وهو كلام لا يستقيم البتة ، فاستظهرت أن يكون صواب سياقه ما أثبت ، أو ما يشبهه من القول.
(38) في المطبوعة والمخطوطة: "كجهاد من أمر بجهاده" ، وصواب السياق"لجهاد........" كما أثبتها.
(39) انظر تفسير"الأجر" فيما سلف: 529 ، تعليق: 2 ، والمراجع هناك.
(40) انظر تفسير"شرى" و"اشترى" فيما سلف 1: 312- 315 / 2: 340- 342 ، 455 / 3: 328 / 4: 246 / 6: 527 / 7: 420 ، 459 / 8: 428
وزدت ما بين القوسين ، جريًا على نهج عبارته في مئات من المواضع السالفة ، والظاهر أن الناسخ نسى أن يكتبها ، لأن"بما أغنى" وقعت في آخر الصفحة ، ثم قلب الورقة إلى الصفحة التالية ، وكتب"وقد".