تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 144 من سورة النساء
القول في تأويل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)
قال أبو جعفر: وهذا نهي من الله عبادَه المؤمنين أن يتخلَّقوا بأخلاق المنافقين، الذين يتخذون الكافرين أولياءَ من دون المؤمنين، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه.
يقول لهم جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا توالوا الكفَّار فتؤازروهم من دون أهل ملَّتكم ودينكم من المؤمنين، فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين. ثم قال جل ثناؤه: متوعدًا من اتخذ منهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، إن هو لم يرتدع عن موالاته، وينـزجر عن مُخَالَّته (31) = أن يلحقه بأهل ولايتهم من المنافقين الذين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبشيرهم بأن لهم عذابًا أليمًا=: " أتريدون "، أيها المتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ممن قد آمن بي وبرسولي=" أن تجعلوا لله عليكم سلطانًا مبينًا "، يقول: حجة، (32) باتخاذكم الكافرين أولياء من دون المؤمنين، فتستوجبوا منه ما استوجبه أهلُ النفاق الذين وصف لكم صفتهم، وأخبركم بمحلّهم عنده=" مبينًا "، (33) يعني: يبين عن صحتها وحقيقتها. (34) يقول: لا تعرَّضوا لغضب الله، بإيجابكم الحجة على أنفسكم في تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالاة أعدائه وأهلِ الكفر به.
* * *
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
10737- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانًا مبينًا "، قال: إن لله السلطان على خلقه، ولكنه يقول: عذرًا مبينًا.
10738- حدثني المثنى قال، حدثنا قبيصة بن عقبة قال، حدثنا سفيان، عن رجل، عن عكرمة قال: ما كان في القرآن من " سلطان "، فهو حجّة.
10739- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " سلطانًا مبينًا "، قال: حُجَّة.
10740- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. (35)
----------------
الهوامش :
(31) السياق: "ثم قال جل ثناؤه متوعدًا ... أن يلحقه ..."
(32) انظر تفسير"سلطان" فيما سلف 7 : 279.
(33) انظر تفسير"مبين" فيما سلف ص224 ، تعليق: 3 ، والمراجع هناك.
(34) في المطبوعة: "عن صحتها وحقيتها" ، والصواب من المخطوطة. وكأن الناشر كان يستنكر أن تكون"الحقيقة" بمعنى أنها حق!! ولكنها صواب بلا شك ، ومن أجل هذا كان الناشر يضع مكان"حقيقتها""حقيتها" في كثير من المواضع ، أشرت إليها فيما سلف من التعليقات. وانظر ما سيأتي ص: 360 ، تعليق: 4.
(35) هذه الآثار في بيان معنى"السلطان" ، هنا ، دالة على أن أبا جعفر كان يختصر تفسيره ، فإن تفسير"سلطان" بمعنى"حجة" قد سلف 7 : 279 ، فلم يأت كعادته بالأخبار الدالة على تفسيره كذلك هناك.