تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 11 من سورة الصافات
القول في تأويل قوله تعالى : فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (11)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم : فاستفت يا محمد هؤلاء المشركين الذي يُنكرون البعث بعد الممات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشد خلقا؟ يقول: أخلقُهم أشد أم خلق من عددنا خلقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض؟
وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بن مسعود: " أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا "؟.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى; وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( أهُمْ أشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ خَلَقْنَا )؟ قال: السموات والأرض والجبال.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح ،قال: ثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك أنه قرأ " أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا "؟ وفي قراءة عبد الله بن مسعود " عَدَدْنَا " يقول: رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ يقول: أهم أشد خلقا، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشد خلقا منهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أَشَدُّ خَلْقا أمْ مَنْ عَدَدْنَا) من خلق السموات والأرض، قال اللهُ: لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ... الآية.
حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي (فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقَا ) قال: يعني المشركين، سلهم أهم أشد خلقا( أمْ مَنْ خَلَقْنَا )
وقوله ( إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ ) يقول: إنا خلقناهم من طين لاصق. وإنما وصفه جل ثناؤه باللُّزوب، لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خَلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء; والتراب إذا خُلط بماء صار طينا لازبا، والعرب تُبدل أحيانًا هذه الباء ميما، فتقول: طين لازم; ومنه قول النجاشي الحارثي:
بنـى اللـؤم بيتـا فاسـتقرت عمـاده
عليكــم بنـي النجـار ضربـة لازم (3)
ومن اللازب قول نابغة بني ذُبيان:
ولا يحسـبون الخـير لا شـرَّ بعـدهُ
ولا يحســبون الشـر ضربـة لازب (4)
وربما أبدلوا الزاي التي في اللازب تاء، فيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك في قَيس ، زعم الفرّاء أن أبا الجراح أنشده:
صــداعٌ وتـوصيمُ العظـامِ وفـترة
وغثـي مـع الإشراق في الجوف لاتب (5)
بمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَلْزُب، لزْبا ولُزوبا (6)
------------------------
الهوامش:
(3) البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة الورقة ص 208 - 1 ) قال في قوله تعالى"من طين لازب" مجازه مجاز لازم . قال النجاشي:" بنى اللؤم ... البيت" .اهـ.
(4) وهذا البيت من شواهد أبي عبيدة في مجاز القرآن ( مصورة الجامعة ص 208 - 1 ) . وهو كالشاهد الذي قبله على أن معنى اللازب اللازم . قال نابغة بني ذبيان:"لا يحسبون الخير .... البيت": اهـ.
(5) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن ( مصورة الجامعة ص 271 ) قال اللازب اللاصق . قال: وقيس تقول:"طين لاتب" أنشدني بعضهم:
صــداع وتـوصيم ...............
.............................. البيت
. قال والعرب تقول: ليس هذا بضربة لازب، ولازم؛ يبدلون الباء ميما، لتقارب المخرج.اه. (وفي اللسان:"لتب" اللاتب: الثابت؛ تقول منه لتب يلتب) . (بوزن يقتل) لتبا ولتوبا، وأنشد أبو الجراح:
فـإن يـك هـذا مـن نبيـذ شـربته
فــإني مـن شـرب النبيـذ لتـائب
صــداع وتـوصيم ...............
. . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وفي اللسان عن الفرّاء في قوله تعالى" من طين لازب": قال: اللازب واللاتب واحد. قال: وقيس تقول: طين لاتب. واللاتب: اللازق، مثل اللازب. وهذا الشيء ضربة لاتب كضربة لازم .اهـ.
(6) في الأصل: ويلزب وهو تحريف عما أثبتناه؛ لتصريحهم بأن الفعل من باب نفد، وأن المصدر لزبا ولزوبا . ( انظر اللسان والمصباح: لزب ) وضبط في التاج ككرم.