تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 21 من سورة آل عمران
القول في تأويل قوله : إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (54) " إن الذين يكفرون بآيات الله "، أي: يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذبون بها، من أهل الكتابين التوراة والإنجيل، كما:-
6776 - حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: ثم جمع أهل الكتابين جميعًا، وذكر ما أحدثوا وابتدعوا، من اليهود والنصارى فقال: " إنّ الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حقّ" إلى قوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ . (55)
* * *
وأما قوله: " ويقتلون النبيين بغير حقّ"، فإنه يعني بذلك - أنهم كانوا يقتلون رُسل الله الذين كانوا يُرسَلون إليهم بالنهي عما يأتون من معاصي الله، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التي قد تقدم الله إليهم في كتبهم بالزجر عنها، نحو زكريا وابنه يحيى، وما أشبههما من أنبياء الله. (56)
* * *
القول في تأويل قوله : وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة أهل المدينة والحجاز والبصرة والكوفة وسائر قرأة الأمصار: ( وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ )، بمعنى القتل.
* * *
وقرأه بعض المتأخرين من قرأة الكوفة: ( وَيُقَاتِلُونَ )، بمعنى القتال، تأوّلا منه قراءةَ عبد الله بن مسعود، وادعى أن ذلك في مصحف عبد الله: ( وَقَاتَلُوا )، فقرأ الذي وصفنا أمرَه من القراءة بذلك التأويل: ( وَيُقَاتِلُونَ ).
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأه: " ويقتلون "، لإجماع الحجة من القرأة عليه به، (57) مع مجيء التأويل من أهل التأويل بأن ذلك تأويله.
ذكر من قال ذلك:
6777 - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن معقل بن أبي مسكين في قول الله: " ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس "، قال: كان الوحي يأتي إلى بني إسرائيل فيذكِّرون [قومهم] - ولم يكن يأتيهم كتاب - فيقتلون، (58) فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم، فيذكِّرون قومهم فيقتلون، فهم: الذين يأمرون بالقسط من الناس.
6778 - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن قتادة، في قوله: " ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس "، قال: هؤلاء أهل الكتاب، كان أتباع الأنبياء ينهونهم ويذكِّرونهم، فيقتلونهم.
6779 - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج في قوله: " إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس "، قال: كان ناس من بني إسرائيل ممن لم يقرأ الكتاب، كان الوحي يأتي إليهم فيذكِّرون قومهم فيقتلون على ذلك، (59) فهم: الذين يأمرون بالقسط من الناس.
6780 - حدثني أبو عبيد الرصّابي محمد بن حفص قال، حدثنا ابن حِمْير قال، حدثنا أبو الحسن مولى بني أسد، عن مكحول، عن قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، عن أبي عبيدة بن الجراح قال: قلت: يا رسول الله، أىّ الناس أشدّ عذابًا يوم القيامة؟ قال: " رجل قتل نبيًّا، أو رجل أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنّ الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس " (60) إلى أن انتهى إلى " وما لهم من ناصرين "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا عبيدة، قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيًّا من أول النهار في ساعة واحدة! فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عُبَّاد بني إسرائيل، فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعًا من آخر النهار في ذلك اليوم، وهم الذين ذكر الله عز وجل. (61)
* * *
قال أبو جعفر: فتأويل الآية إذًا: إنّ الذين يكفرون بآيات الله، ويقتلون النبيين بغير حق، ويقتلون آمريهم بالعدل في أمر الله ونهيه، الذين يَنهونهم عن قتل أنبياء الله وركوب
* * *
القول في تأويل قوله : فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ( فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) فأخبرهم يا محمد وأعلمهم: أنّ لهم عند الله عذابًا مؤلمًا لهم، وهو الموجع.
-----------------
الهوامش :
(54) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناءه" والسياق يقتضي ما أثبت.
(55) الأثر: 6776- ابن هشام 2: 227 من بقية الآثار السالفة التي آخرها رقم: 6774.
(56) انظر تفسير"يقتلون النبيين بغير الحق" فيما سلف 2: 140-142.
(57) هكذا في المخطوطة والمطبوعة ، وهي عبارة لا أرتضيها ، وأظن صوابها"لإجماع الحجة من القرأة على القراءة به". وانظر معاني القرآن للفراء 1: 202 في بيان قراءة الكسائي هذه.
(58) هكذا نص الطبري ، ونقله كذلك في الدر المنثور 2: 13 وزدت منه ما بين القوسين. ومعنى عبارته أن الوحي كان يأتي إلى أنبياء بني إسرائيل ، كما هو بين في الروايات الأخرى ، التي رواها البغوي في تفسيره (هامش ابن كثير) 2: 117 ، 118 ، والقرطبي 4: 46.
(59) قوله: "كان ناس من بني إسرائيل. . . كان الوحي يأتي إليهم" بحذف خبر"كان" الأولى ، عبارة فصيحة محكمة في العربية ، قد نبهت إلى مثلها مرارًا فيما سلف.
(60) في المخطوطة والمطبوعة ، والدر المنثور 2: 13"الذين يقتلون النبيين" ، وفي غيرها"ويقتلون" وأثبت ما جاء في رواية ابن أبي حاتم ، فيما أخرجه ابن كثير في تفسيره 2: 118 ، وهو نص التلاوة.
(61) الأثر: 6780-"أبو عبيد الوصابي: محمد بن حفص الحمصي" مضت ترجمته برقم: 129 (وانظر ما سيأتي رقم: 7009) ، وكان هناك في الإسناد"حدثني أبو عبيد الوصابي ، قال حدثنا محمد بن حفص" فرجح أخي السيد أحمد أن يكون خطأ ، وقد أصاب ، وكان الأجود حذف"قال حدثنا" من ذلك الإسناد.
وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا"أبو عبيد الرصافي محمد بن جعفر" والصواب من تفسير ابن كثير 2: 118."وابن حمير" هو: "محمد بن حمير بن أنيس القضاعي" ، روى عن إبراهيم عن أبي عبلة ، ومحمد بن زياد الألهاني ، ومعاوية بن سلام وغيرهم. سئل عنه أحمد فقال: "ما علمت إلا خيرًا" ، وقال ابن معين: "ثقة" وقال ابن أبي حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به". وكان في المطبوعة: "ابن حميد" بالدال ، وهو خطأ ، صوابه من ابن كثير ، والبغوي بهامشه: 2: 118. وهو مترجم في التهذيب. وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ، وذكر أبا عبيد الوصابي هذا فقال: "أدركته وقصدت السماع منه ، فقال لي بعض أهل حمص: ليس بصدوق ، ولم يدرك محمد بن حمير ، فتركته". أما "أبو الحسن مولى بني أسد" ، فقد ترجمه الحافظ في لسان الميزان 6: 364 قال؛: "أبو الحسن الأسدي" حدثنا عنه أبو كريب. مجهول ، انتهى. ولم ينفرد عنه أبو كريب ، بل روى عنه محمد بن حمير. وقال في روايته"مولى بني أسد ، عن مكحول" ، أخرج حديثه الطبري وابن أبي حاتم ، وذكره أبو حاتم فيمن لا يعرف اسمه". هذا وقد خرجه البغوي من طريق محمد بن عمرو بن حنان الكلبي ، عن محمد بن حمير" (بهامش تفسير ابن كثير 2: 118).