تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 88 من سورة الأنبياء
يقول تعالى ذكره ( فَاسْتَجَبْنَا ) ليونس دعاءه إيانا ، إذ دعانا في بطن الحوت ، ونجيناه من الغمّ الذي كان فيه بحبْسناه في بطن الحوت وغمه بخطيئته وذنبه ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) ، يقول جلّ ثناؤه: وكما أنجينا يونس من كرب الحبس في بطن الحوت في البحر إذ دعانا ، كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا ودعونا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر.
*ذكر من قال ذلك: حدثنا عمران بن بكار الكُلاعيّ ، قال : ثنا يحيى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو يحيى بن عبد الرحمن ، قال: ثني بشر بن منصور ، عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال: سمعت سعد بن مالك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اسْمُ اللهِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى ، دَعْوَة يُونُسَ بْنِ مَتَّى ، قال: فقلت: يا رسول الله ، هي ليونس بن متى خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هِيَ لِيُونُسَ بْنِ مَتَّى خَاصَّةً ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّة إِذَا دَعَوْا بِهَا ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ فهو شرط الله لمن دعاه بها.
واختلفت القراء في قراءة قوله ( نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) فقرأت ذلك قراء الأمصار ، سوى عاصم ، بنونين الثانية منهما ساكنة ، من أنجيناه ، فنحن ننجيه ، وإنما قرءوا ذلك كذلك وكتابته في المصاحف بنون واحدة ، لأنه لو قرئ بنون واحدة وتشديد الجيم ، بمعنى ما لم يسم فاعله ، كان " المؤمنون " رفعا ، وهم في المصاحف منصوبون ، ولو قرئ بنون واحدة وتخفيف الجيم ، كان الفعل للمؤمنين وكانوا رفعا ، ووجب مع ذلك أن يكون قوله " نجى " مكتوبا بالألف ، لأنه من ذوات الواو ، وهو في المصاحف بالياء.
فإن قال قائل: فكيف كتب ذلك بنون واحد ، وقد علمت أن حكم ذلك إذا قرئ( نُنَجِّي ) أن يُكتب بنونين؟ قيل: لأن النون الثانية لما سكنت وكان الساكن غير ظاهر على اللسان حذفت كما فعلوا ذلك ب " إلا " لا فحذفوا النون من " إنْ" لخفائها ، إذ كانت مندغمة في اللام من " لا " ، وقرأ ذلك عاصم (نُجِّي المُؤْمِنِينَ) بنون واحدة ، وتثقيل الجيم ، وتسكين الياء ، فإن يكن عاصم وجه قراءته ذلك إلى قول العرب: ضرب الضرب زيدا ، فكنى عن المصدر الذي هو النجاء ، وجعل الخبر ، أعني خبر ما لم يسمّ فاعله المؤمنين ، كأنه أراد : وكذلك نَجَّى المؤمنين ، فكنى عن النجاء ، فهو وجه ، وإن كان غيره أصواب ، وإلا فإن الذي قرأ من ذلك على ما قرأه لحن ، لأن المؤمنين اسم على القراءة التي قرأها ما لم يسم فاعله ، والعرب ترفع ما كان من الأسماء كذلك ، وإنما حمل عاصما على هذه القراءة أنه وجد المصاحف بنون واحدة وكان في قراءته إياه على ما عليه قراءة القرّاء إلحاق نون أخرى ليست في المصحف ، فظنَّ أن ذلك زيادة ما ليس في المصحف ، ولم يعرف لحذفها وجها يصرفه إليه.
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة التي لا استجيز غيرها في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، من قراءته بنونين وتخفيف الجيم ، لإجماع الحجة من القرّاء عليها وتخطئتها خلافه.