تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 94 من سورة الحجر
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، مولى زيد بن ثابت، عن سعيد بن جبير أو عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنـزل الله تعالى ذكره: ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) فإنه أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم بتبليغ رسالته قومه ، وجميع من أرسل إليه ، ويعني بقوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) : فامض وافرُق، كما قال أبو ذؤَيب:
وكــــأنَّهُنَّ رَبابَـــةٌ وكأنَّـــهُ
يُسـرٌ يُفيـضُ عـلى القِـداح ويَصْدَعُ (5)
يعني بقوله: يَصْدَع : يُفَرِّق بالقداح.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) يقول: فأمضه.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) يقول: افعل ما تؤمر.
حدثني الحسين بن يزيد الطحان، قال: ثنا ابن إدريس، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: بالقرآن.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأَوْديّ، قال: ثنا يحيى بن إبراهيم، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: هو القرآن.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: بالقرآن.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: الجهر بالقرآن في الصلاة.
حدثنا أحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: بالقرآن في الصلاة.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء ، وحدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: اجهر بالقرآن في الصلاة.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال : ثنا أبو أسامة، قال: ثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة قال: مازال النبيّ مستخفيا حتى نـزلت ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) فخرج هو وأصحابه.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) قال: بالقرآن الذي يوحى إليه أن يبلغهم إياه ، وقال تعالى ذكره: ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) ولم يقل: بما تؤمر به، والأمر يقتضي الباء ، لأن معنى الكلام: فاصدع بأمرنا، فقد أمرناك أن تدعو إلى ما بعثناك به من الدين خلقي وأذنَّا لك في إظهاره.
ومعنى " ما " التي في قوله ( بِمَا تُؤْمَرُ ) معنى المصدر، كما قال تعالى ذكره يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ معناه: افعل الأمر الذي تؤمر به ، وكان بعض نحويِّي أهل الكوفة يقول في ذلك: حذفت الباء التي يوصل بها تؤمر من قوله ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) على لغة الذين يقولون: أمرتك أمرا ، وكان يقول: للعرب في ذلك لغتان: إحداهما أمرتك أمرا، والأخرى أمرتك بأمر، فكان يقول: إدخال الباء في ذلك وإسقاطها سواء. واستشهد لقوله ذلك بقول حصين بن المنذر الرقاشي ليزيد بن المهلَّب:
أمَــرْتُكَ أمْــرًا جازِمـا فَعَصَيْتَنـي
فـأصْبَحْتَ مَسـلُوبَ الإمـارَةِ نادِمـا (6)
فقال أمرتك أمرا، ولم يقل: أمرتك بأمر، وذلك كما قال تعالى: ذكره: أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ولم يقل: بربهم، وكما قالوا: مددت الزمام، ومددت بالزمام، وما أشبه ذلك من الكلام .
وأما قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) ويقول تعالى ذكره لنبييه صلى الله عليه وسلم: بلغ قومك ما أرسلتَ به، واكفف عن حرب المشركين بالله وقتالهم. وذلك قبل أن يفرض عليه جهادهم، ثم نَسَخَ ذلك بقوله فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ .
كما حدثنا محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) وهو من المنسوخ.
حدثني المثنى، قال: ثنا سويد، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن جويبر، عن الضحاك، في قوله ( وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) و قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ وهذا النحو كله في القرآن أمر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه، ثم أمره بالقتال، فنَسَخَ ذلك كله، فقال: ( خُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ ) ...الآية.