تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 47 من سورة الحجر
قوله ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) يقول: وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض.
واختلف أهل التأويل في الحال التي ينـزع الله ذلك من صدورهم، فقال بعضهم: ينـزل ذلك بعد دخولهم الجنة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى، قال: ثنا أبو غسان، قال: ثنا إسرائيل، عن بشر البصري، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبي أُمامة، قال: يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن، حتى إذا توافوا وتقابلوا نـزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غلّ ، ثم قرأ ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ )
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو فضالة، عن لقمان، عن أبي أمامة، قال: لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينـزع الله ما في صدورهم من غلّ، ثم ينـزع منه السبع الضاري.
حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل، عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول: قال عليّ: فينا والله أهل بدر نـزلت الآية ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة: ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) قال: من عداوة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن جويبر، عن الضحاك ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) قال: العداوة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا ابن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن رجل، عن عليّ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) قال: العداوة.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على عليّ، فحجبه طويلا ثم أذن له فقال له: أما أهل البلاء فتجفوهم ، قال عليّ: بفيك التراب، إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ )
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن سفيان، عن جعفر، عن عليّ نحوه.
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن أبان بن عبد الله البجلي، عن نعيم بن أبي هند، عن رَبْعِيَ بن حِرَاش، بنحوه، وزاد فيه: قال: فقام إلى علي رجل من هَمَدان، فقال: الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين ، قال: فصاح عليٌّ صيحة ظننت أن القصر تدهده لها، ثم قال: إذا لم نكن نحن ، فمن هم؟
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا أبو معاوية الضرير، قال: ثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة مولى لطلحة، قال: دخل عمران بن طلحة على عليّ بعد ما فرغ من أصحاب الجمل، فرحَّب به وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله ( إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) ، ورجلان جالسان على ناحية البساط، فقالا الله أعدل من ذلك، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا؟ فقال عليّ: قوما أبعد أرض وأسحقها . فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان، قال: ثنا عبد الواحد، قال: ثنا أبو مالك، قال: ثنا أبو حبيبة، قال: قال علي لابن طلحة: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نـزعَ الله ما في صدورهم من غلٍّ ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا حماد بن خالد الخياط، عن أبي الجويرية، قال: ثنا معاوية بن إسحاق، عن عمران بن طلحة، قال: لما نظرني عليّ قال: مرحبا بابن أخي ، فذكر نحوه.
حدثنا الحسن، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا هشام، عن محمد، قال: استأذن الأشتر على عليّ وعنده ابن لطلحة، فحبسه ، ثم أذن له، فلما دخل قال: إني لأراك إنما حبستني لهذا ، قال: أجل ، قال: إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني ، قال: أجل إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ).
حدثنا الحسن، قال: ثنا إسحاق الأزرق، قال: أخبرنا عوف، عن سيرين، بنحوه.
حدثنا الحسن، قال: ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، قال: ثنا السكن بن المغيرة، قال: ثنا معاوية بن راشد، قال: قال علي إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ).
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ثنا ابن المتوكل الناجي، أن أبا سعيد الخدري حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنـزلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنـزلِهِ الَّذِي كَانَ فِي الدُّنْيَا ". وقال بعضهم: ما يشبَّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم.
حدثنا الحسن بن محمد، قال: ثنا عفان بن مسلم، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الآية ( وَنـزعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) قال: ثنا قتادة أن أبا المتوكل الناجي حدثهم أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، إلى قوله " وأُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ" ثم جعل سائر الكلام عن قتادة ، قال: وقال قتادة: فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنـزله ، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر، غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة، سوى أنه قال في حديثه: قال قتادة وقال بعضهم: ما يشبَّه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة.
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي، قال: ثنا عمر بن زرعة، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي، عن كثير النواء، قال سمعته يقول: دخلت على أبي جعفر محمد بن عليّ، فقلت: وليي وليكم، وسلمي سِلْمكم، وعدوّي عدوّكم، وحربي حربكم ، إني أسألك بالله، أتبرأ من أبي بكر وعمر ، فقال: قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من المهتدين، تولَّهما يا كثير، فما أدركك فهو في رقبتي ، ثم تلا هذه الآية ( إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) يقول: إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض، لا يستدبره فينظر في قفاه ، وكذلك تأوله أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا حصين، عن مجاهد، في قوله ( عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ) قال: لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه.
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل، قالوا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. والسرر: جمع سرير، كما الجدد: جمع جديد، وجمع سررا ، وأظهر التضعيف فيها ، والراءان متحرّكتان لخفة الأسماء، ولا تفعل ذلك في الأفعال لثقل الأفعال، ولكنهم يُدْغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذ التضعيف.