تفسير الطبري
تفسير الآية رقم 24 من سورة الرعد
يقولون لهم: (سلام عليكم بما صبرتم) على طاعة ربكم في الدنيا(فنعم عقبى الدار) .
* * *
وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب .
20342- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا علي بن جرير قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن يعلى بن عطاء, عن نافع بن عاصم, عن عبد الله بن عمرو قال: إن في الجنة قصرًا يقال له " عدن ", حوله البروج والمروج, فيه خمسة آلاف باب, على كل باب خمسة آلاف حِبَرة, (15) لا يدخله إلا نبيٌ أو صديق أو شهيدٌ . (16)
20343- ... قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء, عن جويبر, عن الضحاك, في قوله: (جنات عدن) قال: مدينة الجنة, فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى, والناسُ حولهم بعدد الجنات حوْلها .
* * *
وحذف من قوله: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم)،" يقولون "، (17) اكتفاءً بدلالة الكلام عليه, كما حذف ذلك من قوله: وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا . [سورة السجدة:12]
* * *
20344- حدثني المثنى قال: حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن بقية بن الوليد قال: حدثني أرطاة بن المنذر قال: سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له " أبو الحجاج ", يقول: جلست إلى أبي أمامة فقال: إن المؤمن ليكون متّكئًا على أريكته إذا دخل الجنة, وعنده سِمَاطان من خَدَمٍ, وعند طرف السِّماطين بابٌ مبوَّبٌ، (18) فيقبل المَلَك يستأذن؛ فيقول أقصى الخدم للذي يليه: (19) " ملك يستأذن "، ويقول الذي يليه للذي يليه: ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول: ائذنوا. فيقول: أقربهم إلى المؤمن ائذنوا. ويقول الذي يليه للذي يليه: ائذنوا. فكذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب, فيفتح له, فيدخل فيسلّم ثم ينصرف . (20)
20345- حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال: أخبرنا ابن المبارك, عن إبراهيم بن محمد, عن سُهَيْل بن أبي صالح, عن محمد بن إبراهيم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول: " السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ", وأبو بكر وعمر وعثمان . (21)
* * *
وأما قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه .
*ذكر من قال ذلك:
20346- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الرزاق, عن جعفر بن سليمان, عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: على دينكم .
20347- حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد, في قوله: (سلام عليكم بما صبرتم) قال: حين صبروا بما يحبه الله فقدّموه . وقرأ: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ، حتى بلغ: وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا [سورة الإنسان:12-22] وصبروا عما كره الله وحرم عليهم, وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله, فسلم عليهم بذلك . وقرأ: (والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .
* * *
وأما قوله: (فنعم عقبى الدار) فإن معناه إن شاء الله كما:-
20348- حدثني المثنى قال: حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق, عن جعفر, عن أبي عمران الجوني في قولهم (فنعم عقبى الدار) قال: الجنة من النار . (22)
--------------------------
الهوامش :
(15) " الحبرة" بكسر الحاء وفتح الباء ، ضرب من برود اليمن منمر .
(16) الأثر : 20342 -" علي بن جرير" ، مضى آنفًا برقم : 20212 ، ولم أجد له ترجمة إلا في ابن أبي حاتم ، وهي مختلفة .
و" حماد بن سلمة" ، ثقة مشهور ، مضى مرارًا .
و" يعلي بن عطاء العامري" ، ثقة مضى مرارًا ، آخرها : 17981 .
و" نافع بن عاصم الثقفي" ، تابعي ثقة ، مضى برقم : 15402 .
وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن عمرو ، لولا ما فيه من جهالة" علي بن جرير" هذا . وهو موقوف على عبد الله بن عمرو ، لم أجد من رفعه .
(17) أي" وحذف ... يقولون" .
(18) في المطبوعة :" وعند طرف السماطين سور" ، مكان" باب مبوب" ، لأنه لم يحسن قراءة المخطوطة . وقوله :" باب مبوب" ، يعني مصنوع معقود . إن شئت قلت : قد اتخذ له بوابًا يحرسه .
(19) كانت العبارة في المطبوعة فاسدة مع زيادة جملة كاملة ، وهي" فيقول الذي يليه ملك يستأذن" مكررة ، وفي المخطوطة كالذي أثبت ، إلا أنه أسقط من الكلام" أقصى الخدم" ، فأثبتها من الدر المنثور .
(20) الأثر : 20344 -" بقية بن الوليد" ، ثقة ، مضى مرارًا ، ولكن في حديثه مناكير ، أكثرها عن المجاهيل ، وهو كما قال الجوزجاني :" إذا تفرد بالرواية فغير محتج به لكثرة وهمه . ومع أن مسلمًا وجماعة من الأئمة قد أخرجوا عنه اعتبارًا واستشهادًا ، إلا أنهم جعلوا تفرده أصلا" .
و" أرطأة بن المنذر الألهاني" ، ثقة ، كان عابدًا، مضى برقم : 17987 .
وأما" أبو الحجاج ، رجل من مشيخة الجند" ، فأمره مشكل .
وذلك أن ابن قيم الجوزية ، رواه من طريق بقية بن الوليد عن أرطأة بن المنذر وفيه" أبو الحجاج" ، وكذلك رواه من هذه الطريق نفسها ، ابن كثير في التفسير ، ثم قال :" رواه ابن جرير ، ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ، عن أرطأة بن المنذر ، عن أبي الحجاج يوسف الألهاني قال سمعت أبا أمامة" ، فصرح باسم" أبي الحجاج" وأنه" يوسف الألهاني" ( حادي الأرواح 2 : 38 / تفسير ابن كثير 4 : 52 ) .
ولما طلبت" يوسف الألهاني" ، وجدته في التاريخ الكبير للبخاري 4 / 2 / 376 ، 377 قال :" يوسف الألهاني أبو الضحاك الحمصي ، سمع أبا أمامة الباهلي وابن عمر ، وروى عنه أرطأة . حدثنا إسحق بن يزيد ، قال حدثنا أبو مطيع معاوية ، سمع أرطأة ، سمع أبا الضحاك" .
ووجدته في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 4 / 2 / 35 :" يوسف الألهاني ، أبو الضحاك الحمصي ، روى ابن عمر وأبي أمامة ، عنه أرطأة بن المنذر" .
والذي نقله ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم نفسه فيه :" أبو الحجاج يوسف الألهاني" ، والذي في الجرح والتعديل :" أبو الضحاك" ، يؤيده ما جاء في التاريخ الكبير . والمشكل أن يتفق نص ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل . ونص البخاري ، ثم يختلف نقل ابن كثير عن تفسير ابن أبي حاتم ، متفقًا مع ما جاء في نسخ الطبري ومن نقل عنه ، وكنيته فيها" أبو الحجاج" ، والذي أرجحه أن الصواب هو ما في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم :" أبو الضحاك" .
ومع كل ذلك لم أجد ما يهديني إلى الصواب المحقق ، و" يوسف الألهاني"" أبو الضحاك" ، أو" أبو الحجاج" ، تابعي كما ترى ، ولكن لم أجد له ذكرًا في غير ما ذكرت من كتب ، ولم يبين حاله .
فهذا إسناد فيه نظر ، لما وجدت في التابعي من الاختلاف ، وقد رأيت أيضًا أنه لم يتفرد بروايته بقية بن الوليد ، عن أرطاة بن المنذر فيكون تفرد فيه بقية قادحًا في إسناده . فقد رواه عن أرطاة أيضًا" إسماعيل بن عياش" . ومع ذلك يظل في الإسناد شيء ، وفي النفس منه شيء .
و" إسماعيل بن عياش الحمصي" ، مضى مرارًا، آخرها رقم : 14212 ، وهو ثقة ، ولكنهم تكلموا فيه ، وضعفوه في بعض حديثه .
(21) الأثر : 20345 -" إبراهيم بن محمد" ، هو" إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة الفزاري" ، ثقة مأمون ، مضى مرارًا ، آخرها رقم : 11358 .
و" سهيل بن أبي صالح ، ذكوان السمان" ، ثقة ، روى له الجماعة ، متكلم في بعض روايته . مضى أخيرًا برقم : 11503 ، وكان في المطبوعة :" سهل" غير مصغر ، وهو خطأ . لم يحسن الناشر قراءة المخطوطة لأنها غير منقوطة .
و" محمد بن إبراهيم" ، لعله :" محمد بن إبراهيم بن الحارث بن خالد التيمي" ، تابعي ثقة ، روى له الجماعة ، مترجم في التهذيب ، والكبير 1 / 1 / 22 ، وابن أبي حاتم 3 / 2 / 184 .
(22) أي الجنة بدلا من النار ، كما سلف في ص : 422 .